213
اسباب اختلاف الحديث

فلكلّ من الحكم الإرشادي والمولوي لوازم قد لاتلزم في الآخر ، فلوازم الحكم المولوي تتبع نفس هذا الحكم ، وأمّا الحكم الإرشادي فتابع للوازم ما يرشد إليه دائما ، سواء أكان إرشادا إلى حكم العقل ، أم إلى حكم شرعي آخر .
ثمّ إنّ إرشادية الحكم قد تصير منشأً للاختلاف ، لما قد يحصل من التنافي بين ما ورد لبيان الحكم المولوي وبين ما ورد لبيان حكم إرشادي ، كما إذا سئل المعصوم عن الشكّ في شيء معين بعد فوات محلّه أو بعد الفراغ منه، فأمر عليه السلام بالإعادة والاعتناء بهذا الشكّ، مع نهيه عليه السلام عن الاعتناء بالشكّ، أو أمره بعدم الاعتناء به بعد المضيّ أو بعد الفراغ من العمل . فإمّا أن يحمل الأمر بالإعادة على استحباب إعادة الشيء المشكوك في خصوص مورد السؤال مثلاً ، ۱ وإمّا أن يحمل الأمر بالمضيّ أو النهي عن الاعتناء بالشكّ أيضا على أنّ الإعادة توجب الزيادة الّتي هي تخلّ بالعمل في مجاري قاعدة «من زاد» مثلاً ، وإمّا أن يحمل على الإرشاد إلى انتفاء توهّم وجوب إعادة المشكوك ، وسيوافيك توضيحه في المثال الثاني .

المثال الأوّل : حكم تعليم الكتابة وسورة يوسف للنساء

۲۰۳.۱ . الكليني بإسناده عن عليّ بن أسباط ، عن عمّه يعقوب بن سالم، رفعه قال:قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تُعَلِّموا نساءكم سورة يوسف ولا تُقرئوهن إيّاها؛ فإنّ فيها الفتن. وعلّموهنّ سورة النور؛ فإنّ فيها المواعظ . ۲ و ۳

1.أو ما بحكمه ممّا لايتوجّه خلل من ناحية زيادة الشيء المشكوك فيه وإعادته .

2.الكافي: ج۵ ص۵۱۶ ح۲ ، وسائل الشيعة : ج۲۰ ص۱۷۷ ح۲۵۳۵۶ .

3.وأيضا بإسناده عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي: يا سكوني، ممّا غمّك؟ قلت: ولدت لي ابنة. فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها، وعلى اللّه رزقها ، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك ، فسرى واللّه عنّي، فقال لي: ما سمّيتها؟ قلت: فاطمة . قال: آه ، آه ، ثمّ وضع يده على جبهته فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حقّ الولد على والده إذا كان ذكرا أن يستفرِه اُمّه، ويستحسن اسمه ، ويعلِّمه كتاب اللّه ، ويُطهِّره ، ويعلِّمه السباحة. وإذا كانت اُنثى أن يستفرِه اُمَّها ، ويستحسن اسمها ، ويعلِّمها سورة النور ، ولا يعلِّمها سورة يوسف ، ولا ينزلها الغرف ، ويعجّل سراحها إلى بيت زوجها . أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها، ولا تلعنها، ولا تضربها (الكافي : ج۶ ص۴۸ ح۶ ، تهذيب الأحكام : ج۸ ص۱۱۲ ح۳۸۷ ) . وبإسنادٍ آخر عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تنزلوا النساء بالغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة، وعلّموهنّ المغزل وسورة النور (الكافي: ج۵ ص۵۱۶ ح۱ ) . وفي الفقيه : روى إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تنزلوا نساءكم الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة ، ولا تعلّموهنّ سورة يوسف، وعلّموهنّ المغزل وسورة النور (كتاب من لايحضره الفقيه:ج۳ ص۴۴۲ ح۴۵۳۵، وج ۱ ص ۳۷۴ ح۱۰۸۹، وسائل الشيعة: ج ۶ ص ۱۸۵ ح ۷۶۸۶ ) . الطبرسي مرسلاً : عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تسكنوا النساء الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة ، ومروهنّ بالغزل ، وعلِّموهنّ سورة النور (مكارم الأخلاق: ص۲۳۱ ) . الصدوق بإسناده ، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام يقول: ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا جمعة ، ولا جماعة ، ولا عيادة المريض ، ولا اتّباع الجنائز ، ولا . . . ويستحبّ لهنّ تعلّم المغزل ، وسورة النور ، ويكره لهنّ تعلّم سورة يوسف (الخصال: ص۵۸۵ و۵۸۶ ح۱۲ ) . الراوندي مرسلاً : قال جعفر، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لاتنزلوا النساء الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة، وعلّموهنّ الغزل، وسورة النور (النوادر للراوندي : ص۲۱۵ ح۴۲۶ ) . الحاكم النيشابوري بإسناده ، عن عائشة ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تنزلوهنّ الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة ـ يعني النساء ـ وعلِّموهنّ المغزل، وسورة النور ـ و قال : ـ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه» (المستدرك على الصحيحين : ج۲ ص۳۹۶ ح۳۴۹۴ ) .


اسباب اختلاف الحديث
212

السبب الرابع والعشرون : الاختلاف بالإرشاد والمولوية

الحكم الشرعي: هو ما اعتبره الشارع على المكلّفين ليراعوه في أفعالهم وتصرّفاتهم ، سواء تعلّق بأفعالهم أم بذواتهم أو ما يرتبط بهم ، فيعمّ الاحكام الوضعية والأحكام التكليفية الخمسة . وإن شئت فقل : هو التشريع الصادر من اللّه تعالى لتنظيم حياة الإنسان .
وعلى هذا التفسير فالحكم الشرعي هو عملية إنشائيّة يقوم بها الشارع الأقدس و يُعلمُ العباد بها . وكثيرا ما ۱ تكون «الخطابات الشرعية في الكتاب والسنّة مُبرِزة للحكم وكاشفة عنه، وليست هي الحكمَ الشرعيّ نفسه» ۲ ، سواء اُلقي بلفظ الإخبار أم بإنشاء الأمر والنهي .
الحكم المولوي : هو ما ورد من الأدلّة المشتملة على حكم شرعي للدلالة على نفس هذا الحكم .
الحكم الإرشادي : هو الدليل الوارد من الشارع لا للدلالة على نفس هذا الحكم ، بل لينوّه ويرشد إلى حكم آخر ؛ شرعي ۳ أو عقلي . ۴

1.دروس في علم الاُصول : ج۱ ص۵۲ ، وعقّب الشهيد الصدر قدس سره تعريفه هذا بقوله : «والخطابات الشرعيّة في الكتاب والسنّة مبرزة للحكم وكاشفة عنه ، وليست هي الحكم الشرعي نفسه» وهذا التعقيب بإطلاقه لا يخلو من تأمّل؛ لأنّ صيرورة الحكم حكما بإنشائه وإبلاغه، والإبلاغ عادة لا يتحقّق إلاّ بالخطاب الشرعي ، نعم كلّ خطاب مشتملٍ على حكم شرعي لايعتبر حكما بهذا المعنى الإنشائي بل كثيرا ما يكون حاكيا ومبرزا عنه. وبهذا البيان يمكن الجمع بين وجهة نظر الشهيد وبين ما عن المشهور في تعريف الحكم الشرعي .

2.المصدر المتقدّم .

3.كالإرشاد إلى مانعيّة شيء أو رافعيّته، أو شرطيّته أو جزئيّته، أو إلى لزوم الزيادة المبطلة للعمل أحيانا .

4.كالإرشاد إلى وجوب إطاعة أوامر اللّه تعالى ونواهيه عقلاً ، أو الإرشاد إلى عدم تحقّق موضوع الحكم، أو شيء ممّا له دخل في الموضوع ليترتّب عليه حكمه .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227412
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي