227
اسباب اختلاف الحديث

ولما بيّنّاه عنون الشيخ الحرّ قدس سره الباب الّذي جمع فيه بعض هذه الأحاديث وغيرها بالعنوان التالي : «باب جواز النوم في المساجد حتى المسجد الحرام ومسجد النبيّ صلى الله عليه و آله على كراهيته في الجميع ، وتتأكّد في الأصلي منها دون الزيادة» .
أقول : حكمه وحمله الأحاديث حسن ما خلا إطلاق استثنائه القدر المزيد عن التأكّد فإنّه وإن لم يكن كالنوم في المقدار الأصلي كراهة، غير أنّه آكد منه في المساجد الاُخرى كما بيّنّاه .
إن قلت : إذا كان النوم في المسجد مكروها وهو في المسجد الحرام آكد فكيف ينام الإمام عليه السلام في المسجد كما يدلّ عليه الحديث الثاني؟
قلت : الظاهر أنَّ كراهة النوم في المساجد مخصوص بغير المطهَّرين من أهل بيت النبوّة ـ صلوات اللّه عليه وعليهم ـ فإنّهم مُستثنون عنه بل استثنوا عن المرور أو اللبّث في المسجد ۱ جنبا .
وتكرّر نومهم عليهم السلام في المسجدين خير دليل على عدم كراهته عليهم عليهم السلام ؛ فإنّهم لا يفعلون مكروها إلاّ بعروض عنوان رافع للكراهة ، كقصد بيان أصل الجواز والترخيص، أو اقتضاء ضرورة، وما إلى ذلك من العناوين الثانوية . وتكرّر فعل منهم من دون إحراز العناوين الثانوية دليل على عدم الكراهة . وأمّا نقل تكرّر نومهم عليهم السلام في المسجدين فمستفيض . ۲

1.راجع وسائل الشيعة: ج۲ ص۲۰۵ / ب۱۵ من أبواب الجنابة .

2.منها : ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب ج۲ ص۱۹۴ عن جابر بن عبد اللّه : «كنّا ننام في المسجد ومعنا عليّ عليه السلام ، فدخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: قوموا فلا تناموا في المسجد! فقمنا لنخرج ، فقال : أمّا أنت يا عليّ فنم فقد اُذن لك» ، وكذا ما رواه الصدوق بإسناده في العلل من نوم عليّ عليه السلام في المسجد ، وإيقاظ النبيّ صلى الله عليه و آله من دون نهي بل بكلّ لطف وتكريم (راجع علل الشرائع: ص۱۸۶ ح۱ من الباب ۱۲۵ ) وكذا ما رواه الصدوق في الأمالي : ص۲۱۷ ح۲۳۹ وغيرُه في غيره من حكاية منام الإمام الحسين عليه السلام عند قبر جدّه صلى الله عليه و آله .


اسباب اختلاف الحديث
226

عدم البأس بالنوم في المساجد إلاّ المسجدين ـ زادهما اللّه شرفا ـ . والحديث الرابع ـ وما كان بمضمونه ـ يدلّ على جواز النوم في المسجدين وعدم البأس به . وذيل الحديث الثاني ـ مع كونه حديثا آخر حاكيا عن فعل المعصوم عليه السلام وقولهِ، منفصلاً عن صدر الحديث ـ يقصر كراهة النوم على ما كان في المسجدين في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، دون ما زيد فيه بعده صلى الله عليه و آله .

علاج الاختلاف :

الاختلافات الموجودة في هذه الطوائف من الأحاديث وإن كانت بالإطلاق والتقييد ، غير أنّ علاجها لا يكون بحمل المطلق على المقيّد ؛ فإنَّ صحّة جواز الحمل بحاجة إلى إحراز ملاك الحمل وهو وحدة المطلوب من المطلق والمقيّد أو العامّ والخاصّ ، وإلاّ فلا يصحّ التصرّف في ظهور شيء من أطراف الاختلاف بالحمل على التقييد أو نحوه ، لإمكان الجمع بين أطراف الاختلاف مع إبقائها على ظواهرها ، كما هو الحال في سائر الأحكام غير الإلزامية ، إلاّ ما خرج بالدليل؛ أي اُحرزت وحدة المطلوب فيه من قرينة خاصّة .
ففي مثل ما نحن فيه ممّا لم يحرز فيه ملاك الحمل في أطراف الاختلاف ، يحمل على تعدّد مراتب الكراهة ؛ لإمكان الحمل عليه .
والنتيجة هي أنَّ الحديث الثالث محمول على الجواز بالمعنى الأعمّ ـ الّذي لا ينافي الكراهة ـ أو على نحو من الضرورة . والحديث الأوّل محمول على كراهة النوم في كلّ مسجد ، وصدر الحديث الثاني محمول على اشتداد كراهة النوم في المسجدين، وإطلاقه شامل لما كان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما زيد فيه من بعده عليه السلام ، وذيل الثاني محمول على خفّة كراهة النوم فيما زيد من المسجدين ، وإن كان النوم في القسم المزيد أيضا أشدّ كراهة من المساجد الاُخرى .
وأمّا شمول إطلاق صدر الحديث الثاني ـ في اشتداد كراهة النوم في المسجدين ـ للمقدار المزيد فيهما فالدليل عليه نفس الإطلاق، وصحّة الحمل، وعدم صحّة سلب عنوان «المسجد الحرام» أو «مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله » عن القدر المزيد فيهما ، ولهذا لم يستثن القسم المزيد فيهما من حرمة مرور الجنب في المسجدين في النصوص والفتاوى .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254393
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي