253
اسباب اختلاف الحديث

۲۴۲.ما رواه الكليني بإسناده عن العيص بن القاسم ، قال :قال أبو عبد اللّه عليه السلام : المرأة المحرِمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازَين ، وكُره النقاب . وقال : تُسدِل الثوب على وجهها . قلت : حدّ ذلك إلى أين؟ قال : إلى طرف الأنف ، قدر ما تبصر . ۱

بيان: قال المحدِّث الحرّ العاملي قدس سره : «المراد بالكراهة التحريم ؛ لما مضى ويأتي» ۲ .
قال الشهيد الصدر قدس سره : «جواب الإمام عليه السلام بجواز إسدال المرأة الثوب على وجهها من دون تقييد ذلك بطرف الأنف ظاهر في جواز إسدالها على كامل وجهها ، ولكن تصدّي السائل ثانيا للسؤال عن حدّ ذلك الحكم أوجب أن يبيِّن الإمام عليه السلام ما يكون منافيا مع الجواب الأوّل ، ومقيِّدا له . ولعلّ السبب الّذي كان يدعو لهذا التدرّج في البيان هو مراعاة حالة المتشرّعة الّتي لم تكن تسمح لهم باستيعاب التفاصيل كلّها دفعة واحدة في ظلّ تلك الظروف السياسية ، ومع تلك الإمكانات المحدودة المستعصي معها التعليم والتعلّم من جهة ، وتطبيقا لفكرة التدرّج الطبيعي في مجال التربية والتثقيف على الأحكام الشرعية ، تلك الفكرة الّتي طبّقها النبيّ صلى الله عليه و آله أيضا في بدء الدعوة إلى الإسلام من جهة اُخرى . فكان من نتائج هذا الاُسلوب أن اعتمد الأئمّة في مقام تبليغ تفاصيل الأحكام الشرعية وتثبيتها في أذهان أصحابهم على القرائن المنفصلة والبيانات المتأخّرة بعضها عن بعض ، فشاع على هذا الأساس التعارض والتنافي بين النصوص والأحاديث الصادرة عنهم بنحو التخصيص أو التقييد أو القرينة» ۳ .
لايقال : لا يصحّ اعتبار «التدرّج في البيان» كسبب مستقلّ بعد اعتبار الإطلاق أو العموم من أسباب الاختلاف .
لما يجاب : بأنّ النسبة بين «التدرّج في البيان» وبين كلّ من الإطلاق والعموم والحكومة ۴ هي العموم من وجه ، فربما لا يكون البيان المتأخِّر مخصِّصا ولا مقيّدا ، بل هو مفسِّر له ، فكان من اللازم إفراده بالذكر .

1.الكافي: ج۴ ص۳۴۴ ح۱ ، وسائل الشيعة: ج۱۲ ص۴۹۳ ح۱۶۸۷۷ .

2.وسائل الشيعة: ج۱۲ ص۴۹۳ ح۱۶۸۷۷ .

3.بحوث في علم الاُصول : ج۷ ص۳۴ .

4.وهي الّتي يعتبرها الاُصوليّون كقرينة شخصيّة .


اسباب اختلاف الحديث
252

غير أنّ القادر الحكيم تبارك وتعالى خلق ـ من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله ـ قوما « كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها »۱ فمنحهم ـ تبارك اسمه ـ بفضل نبيّه صلى الله عليه و آله جميعَ ما حباه صلى الله عليه و آله من العلوم والمآثر بجميع مراتبها وبطونها ، فجعلهم اُذُنا واعية لوحيه، وأبواب علمه وحكمته ، وكهوف دينه، ونجوم كتابه ، واُولي الأمر الّذين يستنبطونه منهم . وذلك بعد ما كان من إرادته سبحانه في مثلّث الظروف: الماضي والحال والمستقبل ، لِيُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا ۲ ، فبيَّن لنا من شأنهم وشأن الكتاب العزيز الذي هو عِدلُهم ما بيَّن ، فكان ممّا بيَّن قوله : « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ»۳ و ۴
إذا تبيّن ذلك ظهر أنّ من جملة أسباب اختلاف الأحاديث التدرّج في بيان الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية .
قال السيّد المحقّق الشهيد الصدر قدس سره : «من أهمّ عوامل نشوء التعارض بين الروايات اُسلوب التدرّج الّذي كان يسلكه أئمّتنا عليهم السلام في مجال بيان الأحكام الشرعية وتبليغها إلى الناس ؛ حيث لم يكونوا يفصحون عن الحكم وتفاصيله وكلّ أبعاده دفعة واحدة وفي مجلس واحد في أكثر الأحيان ، بل كانوا يؤجّلون بيان التحديدات والتفاصيل إلى أن تحين فرصة اُخرى، أو يتصدّى الراوي بنفسه للسؤال عنها ثانية . وهذه ظاهرة واضحة في حياة الأئمّة عليهم السلام التثقيفية مع أصحابهم ورواة أحاديثهم ، يلحظها كلّ من تتبّع ودرس الأحاديث الصادرة عنهم . وربما تلحظ هذه الحالة في الحديث الواحد» ۵ . كما نشاهد ذلك في :

1.الفتح : ۲۶ .

2.تضمين بالآية : ۳۳ من سورة الأحزاب .

3.الواقعة : ۷۷ ـ ۷۹ .

4.ومنها : « كِتَـبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (فصّلت: ۳) . و « تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (البقرة : ۲۳۰ ) . وإن ارتاب أحد فيما تلونا عليه ، فقل : « بَلْ هُوَ ءَايَـتُ بَيِّنَـتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَ مَا يَجْحَدُ بِـئايَـتِنَآ إِلاَّ الظَّــلِمُونَ » (العنكبوت : ۴۹ ) . و « قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَـبِ » (الرعد : ۴۳ ) .

5.بحوث في علم الاُصول : ج۷ ص۳۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227469
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي