271
اسباب اختلاف الحديث

الثاني، مع ما تقدّم ويأتي في تبيين البداء .
وشأن البداء في انقسامه إلى التامّ والناقص نظير النسخ في انقسامه إلى النسخ الناظر وغير الناظر ، فتدبّر .
وبالجملة فكما أنَّ النسخ ينقسم إلى قسمين : النسخ الناظر ، وغير الناظر ، فكذلك البداء ـ الّذي هو من علم الغيب ـ على قسمين :
1 . ما لايُطلِع عليه أحدا إلاّ قُبَيل تحقّقه ؛
2 . ما يُطلع عليه مَنِ ارتضى من ملائكته ورسله وحججه عليهم السلام .
بل قد يوجد في الوحي النازل على أوليائه عليهم السلام تلميح إلى البداء ، كما جاء في الأحاديث الواردة في تأويل قوله تعالى : « وَ هُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِن بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ »۱ . ففي قوله تعالى : « لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَ مِن بَعْدُ » تلميح لطيف إلى البداء بالتقديم والتأخير كما نصّت عليه الأحاديث . الروم : 3 و 4 . ويشهد للثاني ، مضافا إلى ما تقدّم :

۲۶۹.ما رواه عليّ بن إبراهيم مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السلام :إنَّ جبرئيل استثنى في هلاك قوم ونس ولم يسمعه يونس . ۲

۲۷۰.وعنه عليه السلام أيضا :إنَّ اللّه عز و جل أخبر محمّدا بما كان منذ كانت الدنيا ت، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك، واستثنى عليه فيما سواه . ۳

1.الروم : ۳ و ۴ .

2.تفسير القمّي : ج۲ ص۷۴ ، تفسير نور الثقلين : ج۲ ص۳۳۰ ح۱۴۲ ، تفسير الصافي : ج۲ ص۴۲۶ كلاهما عن الكافي لكنّا لم نجده في الكافي .

3.الكافي : ج۱ ص۱۴۸ ح۱۴ .


اسباب اختلاف الحديث
270

الأكبر مع صلوحه كانت ظاهرة عند أغلب الشيعة ، ولم يكن بيان الإمام تفصيلاً لعامّة الناس ممكنا للأئمّة عليهم السلام ؛ لابتلائهم بالتقيّة ، بل كانوا يخفون كثيرا كما هو ظاهر ، ولهذه الكبرى كانت الشيعة تتخيّل أنّ الإمام بعد الصادق عليه السلام ولده إسماعيل؛ لكبره وجلالة قدره؛ لعدم علمهم بموته ، فإذا مات وتحقّقت في الخارج إمامة موسى بن جعفر عليهماالسلامبدا للّه بوجوده وتحقّقه بعد ما كان أمرا خفيّا عند الناس، فظهر لهم أيضا. هذا معنى البداء بالإضافة إلى مولانا موسى بن جعفر ، وقد وقع نظيره في الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالإضافة إلى السيّد محمّد عليه السلام ، فيجري فيه ما قدمناه . . » ۱ .
أقول : أصل المنهج المتّبع في تفسير البداء هنا حسن . نعم ربما يلاحظ من ناحية تقريره ، فيمكن تتميمه بما تقدّم .

البداء التامّ والبداء النسبي

ظهر ممّا تقدّم إمكان تقسيم البداء إلى البداء التامّ والبداء النسبي ، والمراد منهما ـ باختصار ـ ما يلي :
أ ـ البداء التامّ ما لا يُظهره الباري تعالى في شيء من ألواح علمه ممّا هو دون اللوح المحفوظ أي الملائكة الحاملين لعلمه سبحانه ، ولازمه أنّه تعالى لا يطلع عليه أحدا إلاّ من يجعل اللّه تعالى علمه نسخة من الإمام المبين؛ أعني اللوح المحفوظ فيطّلع عليه ، كما نبّهنا عليه في أوائل القسم الخامس مبحث «مكانة أهل البيت عليهم السلام في التفسير» .
ب ـ والمراد بالبداء النسبي هو ما كان اللّه سبحانه أطلع وليَّه عليه السلام على أنّه سيبدو له، فيمحو عن بعض ألواح المحو والإثبات ما كان أراده في سابق علمه المحيط ، مع إذنه لبعض ملائكته ليوحِي إليه عليه السلام بعض الآجال أو المقدَّرات المشروطة، من دون إشارة إلى كونه من القضاء المقدَّر؛ أي المعلّق دون المحتوم ، فيبلغ الوليّ مفادَ هذا الوحي إلى اُمّته أو صنف خاصّ منهم حسب ما تقتضيه حكمة اللّه البالغة تبارك وتعالى . مثل ما عرفته في المثال

1.دراسات في علم الاُصول : ج۲ ص۳۲۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 230332
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي