279
اسباب اختلاف الحديث

ويختار جِوار ربّه ؟
وإسناد ما لأوليائه إليه تعالى أمر رائج في اللغة والشرع ، أمّا الشرع فموارده كثيرة جدّا ، منها : إسناد إيذاء ۱ رسول اللّه وشقاقه وطاعته إليه تعالى ؛ وتسمية من كان عدوّا لـِ «مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ »۲ ، بـِ «عدوّ اللّه » تعالى . ۳
وأمّا في اللغة فقد تقدّم كلام المفسِّر المولى أبي الحسن العاملي الإصفهاني قدس سره في تأويل نظائره : «من عادة الأعاظم والملوك والأكابر أن ينسبوا ما يقع من خَدَمهم ـ بأمرهم ـ إلى أنفسهم تجوّزا ، وكذا قد ينسبون ـ مجازا ـ ما يصيب خدمهم ومقرّبيهم من الإطاعة والخير والشرّ إلى أنفسهم إظهارا لجلالة حال اولئك الخدم عندهم و . . . » ۴ .
ولا يسع المجال لذكر ما ورد بهذا النوع من التأويل ، فنكتفي بنقل حديث واحد :

۲۷۵.روى الكليني بإسناده عن حمزة بن بزيع ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل :« فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ »۵ ، فقال : إن اللّه عز و جل لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ت ويرضون وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه، وسخطهم سخط نفسه ، لأنّه جعلهم الدعاة إليه والأدلاّء عليه ، فلذلك صاروا كذلك. الحديث » ۶ .

وقد تصدّى لحلّ هذه المعضلة وعلاج الاختلاف كثير من علمائنا الأبرار كالإمام الخميني، ۷ والشيخ بهاء الدين العاملي، ۸ فأوّلوا الحديث الأوّل بوجوه؛ توفيقا بينه وبين محكمات النصوص وحكم العقل، فللّه درّهم، وعليه تعالى اُجورهم ، ولا يسع المجال لنقل

1.البقرة : ۹۸ .

2.مع أنّ اليهود لم يكونوا يعتبرون أنفسهم عدوّا للّه تعالى بل كانوا على عداوة هؤلاء الأولياء عليهم السلام .

3.مرآة الأنوار : ص۱۲ ، وهذا التفسير المؤلَّف في علم التأويل اُعتُبر كالمقدِّمة ل «تفسير البرهان» .

4.الزخرف : ۵۵ .

5.الكافي: ج۱ ص۱۴۴ ح۶ . وراجع أيضا ص۱۴۵ ح۸ و ۹ و ص۱۴۶ ح۱۱ حديث هاشم بن أبي عمارة الجنبي وعليّ بن سويد وزرارة .

6.الأربعون حديثا ، للإمام الخميني قدس سره : ص۶۴۲ ، وراجع چهل حديث : ص۵۸۵ ذيل الحديث ۳۴ .

7.الأربعون حديثا، للشيخ البهائي قدس سره: ص۴۱۶ .


اسباب اختلاف الحديث
278

وجد له أمام ، ولالتمس التمامَ إذ لزمه النقصان ، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحوّل دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه ، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثّر فيه ما يؤثّر في غيره ، الّذي لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الاُفول ، لم يلد فيكون مولودا ـ إلى أن قال عليه السلام : ـ ولا يتغيّر بحال، ولا يتبدّل في الأحوال . ۱

مورد الاختلاف:

ظاهر الحديث الأوّل نسبة التردّد والتحيّر إلى ذات الباري تبارك وتعالى ، وهو ينافي الحديث الثاني وغيره من الأحاديث المتواترة النافية عن ذاته سبحانه وتعالى قبول أي تغيّر وتحوّل وطروّ الأحوال، وحدوث الأعراض، وقبول الأوصاف أو زوالها، بل تنفي عن ذاته سبحانه وتعالى قبول أي تفكّر وتردّد واضطراب .
مضافا إلى استحالة هذه النسبة عقلاً ومخالفتها لمحكمات الكتاب العزيز، ممّا يدخله في مشكل الحديث أيضا .

علاج الاختلاف :

يمكن علاج الاختلاف بمعرفة وجه التشابه في الحديث الأوّل ، وحمل «تردّده» سبحانه هنا على تردّد ملائكته الكرام الموكَّلين ببعض الاُمور ۲ المتعلِّقة بشأن قبض روح المؤمن .
وتردّد الملائكة في موت المؤمن ناشئ من انطباع مقتضيين : ما يقتضي بلوغ أجله، وما يقتضي عدم بلوغه ، في لوح المحو والإثبات ، فانطباع أجل المؤمن ـ أو بعض مقتضياته ـ في ذاك اللوح، يقتضي علمهم ببلوغ أجله ؛ وعلمُهم بكراهته للموت وكراهةِ اللّه تعالى لمساءته مقتضٍ لعلمهم بعدم بلوغ أجله ، لولا تعارض المقتضيين . فتتردّد الملائكة في أنّ اللّه تعالى قدَّر البداء في أجله لئلاّ يسوء عبده المؤمن ، أم سيُرضيه بما يَرضى معه للموت

1.نهج البلاغة: الخطبة ۱۸۶ .

2.كالملائكة الحاملين لشيء من علمه، أو الملائكة العادّين للأعمار والآجال، أو المباشرين لقبض الأرواح ، حين ما يستطلعون للقيام بما وكّلوا به .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 256006
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي