287
اسباب اختلاف الحديث

الحدود والمقادير ، فالأصل كونه تمامَ الموضوع لتوجّه الحكم إليه ، وما سوى ذلك ممّا فوقه ، إمّا أن يحمل على التسامح ـ في مقام التحديد ـ بما لا يلزم الإحالة على المجهول ولا الإغراء بالمعصية ، من دون ملاحظة استحباب في الأخذ بسائر الحدود ، أو مع استحباب الأخذ بسائر الحدود الّتي هي فوقه استحبابا نفسيّا ، أو من باب المقدّمة العلمية .
ولأنّه إذا شكّ في التكليف بشيء بين الأقلّ والأكثر فالأقلّ هو القدر المتيقّن ، والتكليف بما فوقه مشكوك فيه، فيُنفى بالأصل . فإذا أمكن التحفّظ على مداليل الدليلين معا بمثل ما ذكر من الحمل لا يجوز طرح شيء منهما ، فإنّ طرح أحد الدليلين فرع التنافي الكلّي بينهما بوجه لا يقبل الجمع والتوفيق ، مع أنّه فيما نحن فيه يقع عادة بين منطوق أحدهما ـ بكون المقدار الأقلّ كافيا في مقام الامتثال ـ وبين مفهوم الآخر بعدم كفاية الأقلّ من المقدار المذكور في الدليل الثاني ، فالتصريح بكفاية القدر الأقلّ في دليله مانع عن حجّية مفهوم الدليل الثاني .
بقي هنا شيء وهو أنّه قد يستشهد باختلاف التحديدات والمقادير المذكورة لموضوع واحد على كون الحكم غير إلزامي وأنّه من المستحبّات مثلاً . لكنّ الحمل على الاستحباب متوقّف على وجود ما يدلّ على الترخيص ، فإن وُجد كان التفاوت من القرائن المؤيّدة للترخيص الوارد ، وإلاّ فإنّ مجرّد الاختلاف لا يدلّ على الاستحباب وانتفاء الإلزام ، بعد إمكان الحفاظ على النصوص ومداليلها .

المثال الأوّل : تحديد الماء بالكرّ بالأشبار

۲۸۱.۱ . الشيخ الطوسي قدس سره بإسناده عن إسماعيل بن جابر، قال :قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الماء الّذي لا ينجسّه شيء ؟ قال : ذراعان عمقه، في ذراع وشبر سعته . ۱

۲۸۲.۲ . الشيخ والكليني بإسنادهما عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :

1.تهذيب الأحكام : ج۱ ص۴۱ ح۱۱۴ ، الاستبصار : ج۱ ص۱۰ ح۱۲ .


اسباب اختلاف الحديث
286

السبب الخامس والثلاثون : التسامح العرفي

لكلّ حكم شرعي موضوع ، فإن كان الحكم من السنن ، فبيان موضوعه بنوع من التسامح العرفي كثير في النصوص الشرعية ، وإن كان محدّدا بدقّة في نفس الأمر، ومبلَّغا بوجه محدَّد إلى بعض المكلَّفين .
وإن كان من الحكم إلزاميا؛ كالواجبات والمحرَّمات ، فالّذي نجده في صفة الشرع وسيرة الشارع الأقدس وأوليائه الأكرمين عليهم السلام تحديد موضوعه وبيان حدوده بشكل دقيق ليتمكّن المكلَّف من الأخذ به وامتثاله .
لكن قد نجد اختلافات بين النصوص الواردة في الأحكام الإلزامية أيضا إمّا بالكمّ أو بالكيف ممّا له مدخلية في موضوعية الموضوع لحكمه . والتنافي الموجود بين هذه النصوص من قسم التنافي الصوريّ . لإمكان إرجاع بعض العناوين إلى البعض بكونه عينه بالنظرة المسامحية العرفية .
وهذا التسامح في النصوص ليس بمقدار ينتهي إلى الإخلال ببيان الشريعة ـ كما أنّه في العرف لا ينتهي إلى الإخلال بنظام المحاورة ـ وإلاّ لانجرّ إلى إبهام الشريعة والإغراء بالجهالة والضلال ، الأمر الّذي ينافي شؤونَ إمامة المعصومين عليهم السلام والغرضَ من اصطفائهم من قبل اللّه تعالى ، فلابدّ في الشريعة من وجود حدّ يحدِّد المجعولات الشرعية بعناوينها ومقاديرها .
فالأصل فيما لو اُسند حكم إلى موضوع بعنوان معين أو مقدار خاصّ هو كونه نفس العنوان أو المقدار المجعول في الشرع ، ومع الاختلاف فالمرجع هو القرائن المعيِّنة للعناوين والمقادير الأصلية من غيرها ، ومنها أنّه إذا ورد نصّ معتبر يشتمل على أقلّ

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 230320
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي