291
اسباب اختلاف الحديث

بالحمل على التسامح في التحديد .
الشاهد على التسامح في التحديد بالأشبار : هو الدقّة اللازمة في تحديد موضوع الحكم الإلزامي وتقديره بالأرطال، واختلاف المقادير الحاصلة من التحديد بالأشبار والأذرُع، فإنّه خير شاهد على أنّ التحديد بالأشبار في الأحاديث المعتبرة مبنيّ على المسامحة، وكون الأشبار والأذرُع من العناوين المشيرة .
توضيح ذلك أنّ تعدّد عناوين الموضوع الواحد ذي الحكم الواحد لا يخلو عن وجوه :
أ ـ أن يكون كلّ واحد منها موضوعا برأسه .
ب ـ أن يكون بعضها موضوعا وبعضها الآخر مشيرا .
ج ـ أن يكون الموضوع مغايرا للعناوين المفروضة، مع كون كلّ واحد منها مشيرا ومعرِّفا لذاك الموضوع ، وعدم تساويها كمّا وكيفا .
أمّا الأوّل فلا يعقل هنا ، لبُعد جعل عناوين متعدّدة مختلفة في الكمّ موضوعة لحكم واحد . والثاني لا يجري فيما نحن فيه؛ لاختلاف التحديدات المفروضة للكرّ . فلا يبقى إلاّ طرح الأحاديث المعتبرة، أو الحمل على وجه متعارف على ضوئه يحافظ على النقل المعتبر ، فيكون متعيّنا .
ومحلّ تحقيق المسألة بوجه مستوفى هو الفقه .

المثال الثاني : تحديد الماء الكرّ بالأذرع

بينا ترى الأحاديث المذكورة تعتمد على «الشبر» في تحديد الكرّ، ذكرت طائفة اُخرى منها التحديد بـ «الذراع» ؛ اعتبارا بقيام ذراع واحد مقام شبرين ـ ، مع أنَّ كلّ ذراع يزيد على الشبرين أو ينقص عنهما بقليل بشيء على تفاوت الناس في أذُرعهم وأشبارهم ، ولكن التسامح المُشار إليه جارٍ هنا أيضا .
وإذا قيس الذراع إلى الشبرين فتارة يزيد عليهما، واُخرى ينقص عنهما، وثالثة


اسباب اختلاف الحديث
290

أنَّ هذا المقدار قد ورد في تقدير كرّية ماء الركيّ الترابيّة ، والركايا ـ لاسيّما المستعملة القديمة الحفر ـ مقعّرة القعر عادة لا مسطَّحة. ۱ مضافا إلى ما تقدّم آنفا من التسامح العرفي في ذكر المقادير أو العناوين المشيرة. ۲
فإنّ المخاطبين في الحديث إن لوحظوا من عوامّ الناس فهم لا يرون فرقا بين الاسطوانة الّتي ارتفاعها (5/3) وعرضها (5/3) أشبار ، وبين الاسطوانة الّتي ارتفاعها ذراعان ـ أي 4 أشبار ـ وعرضها ثلاثة أشبار، وأهل الدقّة منهم ـ كالبنّائين وأصحاب المهارات ـ يعتمدون في حساب مساحة الدائرة ـ لمحاسبة الاسطوانة ـ على ضرب نصف القطر في نصف المحيط ويعتبرون نصفَ المحيط ثلاثةَ أضعاف القطر ، وعليه فيبلغ 32 شبرا وكسرا ، والقدر الزائد في التقدير ممّا يتسامح فيه عرفا لاسيّما في الركايا الّتي كانت مقعّرة القعر ، فينقص من أطرافها .
وقد جمع عدد من العلماء ـ منهم المحقّق الخوئي ۳ وغيره ۴ ـ هذه الأحاديثَ

1.إمّا بحفرها كذلك، أو بانصباب التراب من جوانبها أو من خارجها، وإمّا بإلقاء الدلاء فيها .

2.وقد ذكرنا آنفا بعض ما يقتضي التسامح في تحديدها .

3.حيث قال ما ملخَّصه : «جرت طريقتهم على تحصيل مساحة الدائرة بضرب نصف القطر في نصف المحيط ، وقطر الدائرة في المقام ـ أي صحيح إسماعيل بن جابر الأوّل ـ ( ۳ ) أشبار ، فنصفه ( ۵/۱ ) ، وأمّا المحيط فقد ذكروا أنّ قطر الدائرة إلى محيطها ممّا لم يظهر على وجه دقيق ، فذكروا على وجه التقريب والتسامح : أنَّ نسبة القطر إلى المحيط نسبة (۷۲۲ ) . ولمّا رأوا صعوبة فهم هذا البيان على أوساط الناس ، قالوا : إنَّ المحيط ثلاثة أضعاف القطر . وهذا وإن كان ينقص عن نسبة ( ۷۲۲ ) بقليل إلاّ أنَّ المسامحة بهذا المقدار لابدَّ منها . فيبلغ نصف المحيط (۵/۴) شبر ، ونصف القطر (۵/۱) شبر ، وإذا ضرب الحاصل من ذلك في العمق وهو (۴) أشبار تبلغ الحاصل (۲۷) شبرا بلا زيادة ولا نقصان إلاّ في مقدار يسير» . أقول : محلّ المسامحة في كلامه قدس سره أنّه لم يعتمد في استخراج مساحة الدائرة على الطرق العلميّة المعتمد عليها في ذلك ، مع إشارته بنفسه إلى بعضها ، لأنّه يبلغ حينئذٍ ۲۶/۲۸ لأنّ الحاصل من ضرب نصف القطر في نصف المحيط ونصف القطر أيضا يستخرج من ضرب القطر في (۷۲۲) ، بل اعتمد على الطريق المسامحي الذي تعتمد عليه عوامّ الناس ـ بملاحظة أنّ المخاطبين بالحديث المبحوث عنه هم عوامّ الناس ـ وطريق محاسبتهم «ضرب نصف القطر في ثلاثة أضعاف القطر» ، والاختلاف بين الطريقين بـ (۲۶/۱) شبر ، فتأمّل . (راجع التنقيح في شرح العروة الوثقى : ج۲ ص۱۶۲ ) .

4.راجع مستمسك العروة الوثقى : ج۱ ص۱۵۴ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254497
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي