305
اسباب اختلاف الحديث

السبب الثامن والثلاثون : الاستعداد والفعليّة

قد تختلف الأحاديث في ظاهرها بأن يُخصّ شيء أو شخص بحكم أو أثر أو فضل دون شيء أو شخص آخر، بل قد ينفى ذلك عن الآخر ، مع دلالة الأحاديث على تساويهما . بل دلّت الأحاديث والآيات القرآنية ، على أنّه لا فضلَ ولا كرامةَ لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لرجل على امرأة، إلاّ بالطاعة والتقوى . ونجد أحاديث كثيرة ـ لاريب في صدورها إجمالاً ـ تُثبت نحوَ فضل لبعض على بعض . فيقع التنافي بينهما، ويندفع بالتأمّل فيها ؛ لصحّة حمل الطائفة الاُولى منها على ما بالقوّة والاستعداد ، والثانية على ما بالفعل . فإنَّ اللّه سبحانه وإن لم يجعل لأحد على أحد فضلاً فعليّا إلاّ بالتقوى والدين والطاعة ، ولم يجعل لعناصر الناس وأقوامهم وأنسابهم أي أثر في الأفضلية، إلاّ جعلهم متفاضلين ـ إجمالاً ـ في مقام إعطاء القوى والإستعدادات وأسباب التقدّم والفضل .
وإذا تأمّلت في الآيات المباركة : (الحجرات: 13 ، النساء: 32 ، الزخرف: 32 ، الجمعة: 3 و4) وجدت أنَّها تفيد أنّ اللّه تعالى سوّى بين الخلق في إعطاء شرائط التكليف ومؤهّلاته؛ كالعقل والاستطاعة ، مهما كانوا متفاضلين في مقاديرها « لِيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً »۱ .
ثمّ وجّه إليهم تكاليف وأحكاما فمن استخدم إرادته وقواه في الطاعة والتقوى فهو أكرم عند اللّه تعالى ، ومن تخلّف فقد هلك ، أيّا مَن كان .

1.الأنفال : ۴۲ .


اسباب اختلاف الحديث
304

أقول: نلاحظ أنَّه قدس سره جمع بينهما بحملهما على اختلاف متعلّق الموضوع؛ أعني المعرفة واليقين ، فقوله عليه السلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» ناظر إلى انكشاف الغطاء عمّا يتعلّق بالآخرة وسائر ما يمكن الإحاطة به خبرا ، فهو عليه السلام لن يزداد يقينا بالنسبة إليها؛ لامتلاء ظرف يقينه عليه السلام ، وبلوغه الغاية القصوى في ذلك . وأمّا الحديث الثاني فناظر إلى الأسماء والصفات ، وهذا باب لا يحيط به أحد من الخلق لامتناع معرفة كنهها .
وجه آخر: ويمكن الجمع بينهما بأنّه لاتلازم بين ازدياد المعرفة وازدياد اليقين ، فلا يزال الأئمّة عليهم السلام يزدادون معرفة وعلما ، ولا يزدادون يقينا؛ لأنّ يقينهم قد بلغ الغاية القصوى التي لا يتصوّر يقين فوقها .
وهناك وجوه اُخرى للجمع بين الحديثين نطوي عن نقلها، فمن أراد التفصيل والاطّلاع عليها فليراجع المصدر المُشار إليه . ۱
ثمّ لايخفى أنّ ازدياد المعرفة في ذاته سبحانه وصفاتِه ملازم للتحيّر في كنه الذات والصفات ، فطلب ازدياد التحيّر هنا كناية عن طلب ازدياد المعرفة وتأكيد له .

1.مصابيح الأنوار: ج۱ ص۳۰ ـ ۳۲ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227446
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي