325
اسباب اختلاف الحديث

ولعلّ السرّ في عدم التصريح باسمه عليه السلام هو تجنّبه عن إثارة ما في نفوس حسّاده ومعانديه ، خصوصا مع كثرة ما كانوا يسمعونه منه صلى الله عليه و آله من المناقب والفضائل التي خصَّه اللّه تعالى بها دون غيره. كانوا يشمئزّون جدّا من سماع اسمه عليه السلام وذكره على لسان النبي صلى الله عليه و آله ، فيقعون فيهما صلّى اللّه عليهما وآلهما، فكان من حكيم سيرته صلى الله عليه و آله التفنّن بأساليب البيان عند ذكره وبيان فضائله وأهل بيته عليهم السلام .
مع أن المنهج المذكور أوقع في النفس وأقرّ في الذهن ، وأبعد عن تسرّع المعاندين إلى النكير عليه صلى الله عليه و آله .

المثال الأوّل : من بشّرني بخروج آذار فله الجنّة

۳۲۱.۱ . عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :من بشّرني بخروج آذار فله الجنّة . ۱

۳۲۲.۲ . ما رواه الكليني بإسناده عن يزيد بن خليفة، قال :وعظنا أبو عبد اللّه عليه السلام فأمر وزهّد ، ثمّ قال : عليكم بالورع ، فإنّه لا ينال ما عند اللّه إلاّ بالورع . ۲

۳۲۳.۳ . ما رواه الآمدي عن أمير المؤمنين عليه السلام :لا يفوز بالجنّة إلاّ من حسنت سريرته وخلصت نيّته . ۳

وهذا المعنى في الأحاديث أشهر من أن يحتاج إلى الإثبات .

مورد الاختلاف:

الحديث الأوّل يرتِّب الفوز بالجنّة على عمل عادي غير مقرّب أعني الإخبار بخروج شهر آذار من الشهور الروميّة ! ، وهو ـ مضافا إلى منافاته للعقل ـ معارَض للمقطوع به بل المتواتر في الأحاديث ، ومنه الوارد في الحديثين الأخيرين من أنّ وما عند اللّه تعالى لا ينال إلاّ بالورع والتقوى وحسن السريرة وخلوص النيّة .

1.الرعاية : ص۱۰۶ ، الرواشح: ص۱۲۳ .

2.الكافي: ج۲ ص۷۶ ح۳ .

3.غرر الحكم: ح ۱۰۸۶۸ .


اسباب اختلاف الحديث
324

وقد تنشأ من هذا الفرق الماهوي فروق اُخرى . ۱
ومن جملة ما يتفرّع على تفاوتهما في المراد الاستعمالي جواز استعمال العامّ المراد به الخاصّ في الواحد والأكثر ، بخلاف العامّ المخصَّص ، فإنّه لا يستعمل إلاّ في الأكثر من النصف ، لئلاّ يلزم من تخصيصه للأكثر استهجان عند العرف .
ثمّ إنّ هذا الاُسلوب مستعمل في الأحاديث ، كاستعماله في القرآن الكريم ، ۲ ومن الأحاديث الواردة بهذا الاُسلوب حديث «الدجاجة» و«خاصف النعل» وغيرهما ، فلنذكر الثاني منهما تبرّكا :

۳۲۰.المجلسي عن جامع الاُصول، عن عليّ عليه السلام ، قال :لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين منهم سهيل بن عمروواُناس من رؤساء المشركين . . . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن اللّه قلوبهم على الإيمان. قال أبو بكر وعمر : من هو يا رسول اللّه ؟ قال : هو خاصف النعل، وكان قد أعطى عليّا نعله يخصفها . ۳

فلم يصرّح النبي صلى الله عليه و آله باسم عليّ عليه السلام ، بل ذكر عنوان «خصف النعل» الشامل له ولغيره، مع شهادة العقل بعدم مدخلية خصف النعل في الحكم المذكور، وإنّما هو إشارة إلى شخص خاصّ وهو أمير المؤمنين عليه السلام الّذي كان يخصف نعل النبي صلى الله عليه و آله آنئذٍ .

1.منها: استعمال لفظ العموم في العامّ المخصَّص حقيقةٌ ، لأنّ المستعمل فيه ـ أي المراد الاستعمالي ـ هو معناه الحقيقي الّذي وضع له اللفظ ؛ وهو هنا مجاز ، فإنّ استعمال العامّ في الخاصّ استعمال له في غير ما وضع له . ومنها: جواز استعمال العامّ المراد به الخاصّ في فردٍ واحد فصاعدا . مع استهجان تخصيص الأكثر في العامّ المخصَّص ، فضلاً عن التخصيص المستوعِب إلاّ لواحد من أفراده . ومنها: إنّ القرينة في العامّ المراد به الخاصّ متّصلة دائما ، وكفاية كونها منفصلة في العامّ المخصَّص . وأمّا ما ذكره السيوطي من «أنّ القرينة في العامّ المخصَّص لفظية وفي المراد به الخاصّ عقلية» ، فغير سديد ؛ لقضاء العقل والعرف بكفاية أيّة قرينة في كلّ منهما .

2.بحث السيوطي هذا البحث في كتابه (الإتقان في علوم القرآن : ج۳ ص۵۰ النوع ۴۵) ومثّل له بآيات ، منها : آل عمران : ۱۷۳ و ۳۹ والنساء : ۵۴ والبقرة : ۱۹۹ . ونحن نُضيف إليها : المائدة : ۵۵ .

3.بحار الأنوار: ج۲۰ ص۳۴۴ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254477
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي