السبب الرابع والأربعون : اختلاف مقامات الكلام
لكلّ مقام مقال، ولكلّ حال اقتضاء، ولكلّ مخاطب بيان يليق بحاله . كما قال الخطيب القزويني : «البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال» ۱ . فالمُتكلّم البليغ هو الذي يعطي الكلامَ حقّه والبلاغةَ حدودها ومقتضياتِها . فيصوغ كلامه صياغة مناسبة لمقتضيات الظروف والأحوال والمقامات المختلفة .
وحيث إنَّ النبيّ الكريم صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام أفصح الناطقين بالضاد، واُمراءُ الكلام، ومعادن البيان ، فبطبيعة الحال يلزمهم مراعاة ماتقتضيه أحوال الكلام . فكانوا يكلِّمون الأشراف والكرام بغير ما يكلّمون به السفلة والأجلاف ، ويكلّمون الأذكياءَ بغير ما يكلّمون به السذَّج والبسطاء ، ويكلّمون الخواصَّ والأبدال والأوتاد بغير ما يكلّمون به السُوقة والأوساط ، ويكلّمون المحبّ بغير ما يكلّمون به الخصم اللدود ، ويكلّمون الضالَّ الطالب للحقّ بغير ما يكلّمون به المتعنِّت اللَجوج .
فالكلام الّذي يليق بحثّ الناس على قتال الكفرة الطغام يختلف عمّا هو لترغيبهم على العفو والحلم عن الجاهلين ؛ ومقام التزهيد في الدنيا والتنبيه على غرورها وفتنِها ، يختلف عن مقام الترغيب على العمل وابتغاء متطلّبات الحياة والتوسعة على العيال . ومقام التحليق