341
اسباب اختلاف الحديث

الكلام، فيُحدِث بدعة تضلّ جمعا من الناس ، وهذا المقدار لايمنع العرف عن الجري على سيرتهم مع ما لها من الفوائد والحِكم .

من شواهد هذا الحمل:

أ ـ ملاحظة أنَّ القرآن الكريم ـ الظاهر تأكيده على النكاح وفوائده العظيمة ـ يقول تارة :
« يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَ جِكُمْ وَ أَوْلَـدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ . . . إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَـدُكُمْ فِتْنَةٌ » 1 .
واُخرى ـ حكاية عن اعتذار الأعراب المتخلّفين عن الجهاد ـ : « شَغَلَتْنَآ أَمْوَ لُنَا وَ أَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا » 2 .
وثالثة : « وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَ جًا وَ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَ جِكُم بَنِينَ وَ حَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـتِ أَفَبِالْبَـطِـلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ » 3 .
ورابعة يذمّ قوم لوط لتركهم الزواج ، قائلاً : « وَ تَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَ جِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ » 4 .
ب ـ أنَّ الحواريّين ولا سيّما وصيّ عيسى شمعون عليهماالسلام لم يفهموا من كلامه عليه السلام الترغيب عن النكاح والتزهيد فيه بل فهموا ما بيّنّاه ولذا لم يتركوا النكاح بل تزوّجوا وتكاثروا كما نرى شواهده في الروايات . 5 وإنّما وقعت البدعة في المنحرفين عن ملّة سيّدنا المسيح عليه السلام فابتدعوا رهبانية لم يفترضها اللّه تعالى عليهم بهذه الطريقة الجارية فيهم اليوم . قال عزّ من قائل : « وَ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَ نِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ

1.التغابن: ۱۴ و۱۵ .

2.الفتح: ۱۱ .

3.النحل: ۷۲ .

4.الشعراء: ۱۶۶ .

5.راجع كمال الدين وتمام النعمة : ص۴۲۱ ح۱ ، كتاب سليم بن قيس : ج۲ ص۷۰۵ ح۲۵۲۱۶ ، روضة الواعظين : ص۲۷۷ ، بحار الأنوار : ج۱۴ ص۳۴۵ ح۱ و ص۱۹۰ ح۴۲ و ص۵۱۶ ح۴ و ج۵۱ ص۷ ح۱۲ ممّا يدلّ على كون شمعون الصفا عليه السلام ذا ولد ونسل .


اسباب اختلاف الحديث
340

۳۴۵.۲ . وروى الكليني قدس سره بإسناده عن معمّر بن خلاّد قال :سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول : ثلاث من سنن المُرسلين : العطر، وأخذ الشعر، وكثرة الطروقة . ۱

مورد الاختلاف:

أنَّ الحديث الأوّل يزهّد في الزواج وطلب الأولاد لأنّ هذا المعنى حاصل من نسبة الإمام عليه السلام له إلى عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ مضافا إلى تقرير الإمام عليه السلام له بلسان القبول . وأمّا الحديث الأخير فيدلّ على كون الزواج من سنن المُرسلين عليهم السلام ، وأنَّ له فوائد وآثارا كثيرة، ترغِّب العاقلَ اللبيب، وتسرع إليه بمن تيسّر له ذلك . مضافا إلى ما في الأوّل من مشكل كون التزهيد في النكاح مخالفا للعقل والفطرة .

علاج الاختلاف:

وعلاجه بحمله على مقتضى اختلاف مقامات الكلام وأنَّ الإمام عليه السلام لم يقصد من الحديث الأوّل التزهيدَ في الزواج ، بل كان في مقام التنبيه على أنَّ من شأن الأزواج والأولاد الافتتان والإلهاء والشغل عن ذكر اللّه تعالى وطاعته ، لأنّ المعصوم عليه السلام يعلم أنَّ مثل هذا الكلام لا يزهّد المخاطب اللبيب في النكاح ؛ لحكم العقل والفطرة بلزوم بقاء النسل، مما يدفع المخاطب نحو الزواج وابتغاء الأولاد واللذّات المشروعة ، وهذا المقدار من التأكيد لا يفي بالترغيب عن مثل هذا الأمر المجبول في الغرائز .
فإن قلت : إنَّ بعض المنتحلين لشريعة المسيح عليه السلام حصل لهم هذا الفهم ، فتركوا الزواجَ أو حسّنوا تركه .
قلت : إنَّ العقلاء يجرون في كلامهم على سيرتهم وديدنهم، مع أنَّ بعض أهل الزيغ والأهواء ـ لمرض قلوبهم أو سقم عقولهم ـ يفهمون منه خلاف ما يفهمه العرف من مثل ذاك

1.الكافي: ج۵ ص۳۲۰ ح۳ ، تهذيب الأحكام : ج۷ ص۴۰۳ ح۱۶۱۱ ، كتاب من لايحضره الفقيه: ج۳ ص۲۴۱ ح۱۱۴۰ وفيهما «إخفاء » بدل «أخذ » .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 230416
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي