37
اسباب اختلاف الحديث

ثامنا : المبادئ الكلامية لمختلف الحديث

يمكن أن يتساءل أنّه: هل يمكن أن يقع في أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وأهلِ بيته المعصومين عليهم السلام اختلاف ؟ أليس هذا منافٍ لكرامتهم وعصمتهم؟
وبيان شقوق الاختلاف ـ ليتبين حكم كلّ واحد من تلك الفروض والشقوق ـ نقول:
إذا كان الاختلاف صوريّا؛ يرتفع بالتفسير وكشف الستار عن ظاهره، أو واقعيّا بدئيّا ؛ يرتفع بالجمع والتوفيق بين الحديثين، أو بالتصرّف وتأويل أحدهما، فهذا النوع من الاختلاف واقع في كلامهم، ولا مساس له بعصمتهم وكرامتهم، بل بعض أسبابه له جذور في عظيم فضائلهم وعجيب مناقبهم، كما سيتبيّن خلال استعراض أسباب الاختلاف، لاسيّما « الإحكام والتشابه » ، و« الظهر والبطن » و« التنزيل والتأويل » .
وإذا كان الاختلاف واقعيا مستمرّا؛ غير قابل للتوفيق أو التأويل، بحيث لايمكن إبراز علاج دلاليّ بينهما، وإنّما ينحصر العلاج بطرح أحدهما، فهذا النوع من الاختلاف كما يمتنع وقوعه في المصحف العزيز والكتاب الكريم ، كذلك يمتنع وقوعه في كلام المعصومين؛ أعني الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وأهل بيته المطهّرين عليهم السلام .
أمّا الرسول صلى الله عليه و آله فواضح؛ للاتّفاق على عصمته . وأمّا أهل بيته المعصومون فلكونهم أولي الأمر ـ الّذين قرن اللّه تعالى طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله على الإطلاق ومن دون استثناء ، لمكان عصمتهم التامّة الكاملة ـ وقد عرّفنا اللّه بمقام عصمتهم ـ الفائقة على كلّ عصمة ـ بقوله عزّ من قائل : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »۱ فأعرب الباري بالفعل المضارع عن إرادته المستمرّة في مثلّث الزمان ـ الماضي وحال الخطاب والمستقبل ـ لدفع كلّ ما يعدّ من الرجس في العقيدة والعلم والعمل عن أهل البيت ، وهذا يفيد ويثبت عصمتهم ونزاهتهم البالغة التي لا يدانيهم فيها أحد .

1.الأحزاب : ۳۳ .


اسباب اختلاف الحديث
36

وهذا بيان إجمالي للأسباب الداخلية لاختلاف الحديث .
وأمّا الأسباب الخارجية: فهي ما قام بها الرواة والمؤلِّفون ، وهي متعدّدة :
1 . الوضع بتأليف كتاب، أو الدسّ بين النصوص، أو الزيادة والنقيصة في الرواية .
2 . النقل بالمعنى وأخطاره .
3 . الحديث المدرج؛ ويعني قيام بعض المؤلِّفين بإدراج تعليقة على الحديث في ضمن الحديث بدون فرز بينهما.
4 . التقطيع للروايات .
5 . تشابه الخطوط .
6 . التصحيح القياسي .
7 . الخلط بين كلام الإمام وكلام غيره .
ثمّ إنّه ـ دام ظلّه ـ أشار في خلال كلامه إلى الأسباب التالية مضافا إلى ما تقدّم وهي :
1 . الاشتراك في الصيغة، وأنّه سبب من أسباب اختلاف الحديث، ومنشأه فقر اللغة العربية من المصطلحات القانونية .
2 . العامّ والخاصّ ، الناسخ والمنسوخ ، المحكم والمتشابه .
3 . اختلاف الأعراف في مفاهيمها وأفكارها . ۱
ثمّ قال : «فهذا مجمل بحث علل اختلاف الحديث الّذي هو من أهمّ البحوث الاُصولية وأمسّها بعملية الاستنباط» .
والّذي دعاني إلى ذكر ما عدّه السابقون من أسباب الاختلاف ـ مضافا إلى شكر مساعيهم وأداء حقّ سبقهم ـ إيضاح مرادهم ومطمح نظرهم من اصطلح «أسباب الاختلاف» للتأكيد على انحفاظ خطّتهم في ذلك؛ كي لايبقى إبهام أو مغمز في ما جرينا عليه من عدّ بعض الاُمور من تلك الأسباب .

1.الرافد في علم الاُصول : ص۲۱۷ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227440
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي