393
اسباب اختلاف الحديث

فإذا اختلف الزمان وتغيّر، واختلفت الأهواء، وهبّت أعاصير الفتن فأثارت غبار الشبهات ، فاشتبهت الاُمور ، والتبس الحقّ بالباطل ، والسنّة بالبدعة ، فعندها يجب على كلّ مسلم ـ عالم أو غيره ـ الأخذ بمحض العلم واليقين، والتمسّك بالسنّة المعلومة ، وبما يجب اتّباعه والاقتداء بمن جعله اللّه علما هاديا ، فمن تورّع عن الشبهات وأمسك عن المشكوكات والمظنونات ـ مهما اشتهرت وشاعت ـ وأخذ بالمتيقّن نجا ، وإلاّ هلك من حيث لا يعلم .
ومن لطيف ما روي في ذلك :

۴۱۵.عن أمير المؤمنين عليه السلام :إنَّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت نبهّت ، يُنكرنَ مقبلات ، ويُعرفنَ مُدبرات . ۱

۴۱۶.وعنه عليه السلام :إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبّع، وأحكام تبتدع ، يخالَف فيها كتابُ اللّه ، ويتولّى عليها رجال رجالاً على غير دين اللّه ، فلو أنَّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ، ولو أنَّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسُن المعاندين ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ، فيمزجان ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ، وينجو الّذين سبقت لهم من اللّه الحُسنى . ۲

۴۱۷.وعنه عليه السلام :اتقوا البدع ، والزموا المهيع ، إنّ عوازم الاُمور أفضلها ، وإنَّ محدثاتها شرارها . ۳

۴۱۸.وعنه عليه السلام :أصل الحزم الوقوف عند الشبهة . ۴

۴۱۹.وعن الإمام الصادق عليه السلام ـ في مصحّحة عمر بن حنظلة ـ :إنّما الاُمور ثلاثة ؛ أمر بيّن

1.نهج البلاغة: الخطبة ۳۹ ، الغارات : ج۲ ص۶۷۷ ، وسائل الشيعة: ج۵ ص۵۶ ح۱۹۹۸۰ ، التوحيد: ص۲۸ ، بحار الأنوار : ج۴۱ ص۳۴۹ ح۶۱ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۵۰ ، الكافي: ج۱ ص۵۴ ح۱ ، المحاسن: ج۱ ص۲۰۸ ح۶۷۲ ، مشكاة الأنوار : ص۴۳۴ ح۱۴۵۲ والثلاثة الأخيرة نحوه ؛ وراجع في شرحه كتاب پيام امام امير المؤمنين عليه السلام : ج۲ ص۵۶۱ .

3.نهج البلاغة: الخطبة ۱۴۵ .

4.تحف العقول : ص۲۱۴ .


اسباب اختلاف الحديث
392

صرتم بعد الهجرة أعرابا ، وبعد الموالاة أحزابا ، ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه . ۱

مورد الاختلاف :

بينا يأمر الحديث الأوّل بالتمسّك بدين الأعرابي وملازمته عند الفتن واختلاف الأهواء وتغيّر الزمان ، يذمّ الحديث الثاني حال الأعراب وديانتهم ، بل يدلّ على أنّهم ليسوا من الإسلام إلاّ على اسمه، ومن الإيمان على رسمه وصورته ، فيحاول الإمام عليه السلام تقريع المخاطبين لتمسّكهم بالإسلام والإيمان الذي هو كدين الأعرابي . فهذا يذمّ ويحضّض عليه وذاك يمدح ويحضّ إليه ، فوجه الاختلاف بينهما واضح جدّا .
ثمّ إنَّ في قوله عليه السلام : «صرتم بعد الهجرة أعرابا» تلميحا لطيفا إلى قوله تعالى : « الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَ نِفَاقًا »۲ . ۳

علاج الاختلاف :

بحمل الحديث الأوّل على كون «دين الأعرابي» كناية عمّا هو المتيقّن المعلوم من الدين بحيث لا يخفى حتّى على الأعراب السذّج البُسَطاء الّذين هم « أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّه »۴ ، دون الاُمور المشتبهة من المظنونات والمشكوكات فإنّ «من عمل بما يعلم ورّثه اللّه علم ما لم يعلم» ۵ و «من عمل بما علم كُفيَ ما لم يعلم» ۶ .
توضيح ذلك : أنَّ ظروف الفتن حليفة البدع والشبهات ، واللوابس والضلالات،

1.نهج البلاغة: الخطبة ۱۹۲ .

2.التوبة: ۹۷ ، لا يخفى أنّ هذه ليست حالَ كلّ الأعراب لقوله تعالى: « وَ مِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ » (التوبة : ۹۹ ) .

3.راجع في زيادة شرح كلامه عليه السلام شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج۴ ص۳۰۲ .

4.التوبة : ۹۷ .

5.التوحيد: ص۴۱۶ ح۱۷ ، ثواب الأعمال: ص۱۶۱ ح۱ ، مشكاة الأنوار: ص۱۳۹ ح۷۰۷ كلّها عن حفص بن غياث عن الإمام الصادق عليه السلام .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 233390
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي