البعيد المراد . . . » ۱ . ومع ذلك يرد عليه أنّ الملحوظ في التورية المرشّحة هو كون اللفظ المورّى به بحيث يلائم المعنيين ، ولم يلحظ فيها كونها بحيث يُريدهما معا ، كما مثّلوا للمرشّحة بقوله تعالى : « وَ السَّمَآءَ بَنَيْنَـهَا بِأَيْيْدٍ » . فإنّه أراد بأيدٍ معناها البعيد ؛ وهو القدرة، فقرن بها ما يلائم المعنى القريب ، أعني ـ الذي هو الجارحة المخصوصة ـ قوله : «بنيناها » ۲ ، حيث لا يمكن القول بكون المعنى القريب أيضا مرادا للّه سبحانه ، لأنّه لا يدَ له تبارك وتعالى .
على أنّ التورية بالتعيين هي ما لايراد فيها من اللفظ معناه البعيد ، وإلاّ لايعدّ تورية، ولا يورّي المعنى القريب عن المعنى البعيد .
فإن قلت : مقصوده من التورية البديعية هو التوجيه ـ الّذي يأتي البحث عنه في السبب الآتي ـ كما يشهد به تمثيله له بشعر :
خاط لي عمرو قباءليت عينيه سواء
قلت : بناء الكلام في التوجيه على الترديد بين معنيين ـ أو معانٍ ـ في الظاهر وقصد أحدهما بحسب الواقع، مع أنّ التورية البديعية حسب تعريف سماحته هو «إطلاق اللّفظ مع إرادة عدّة معانٍ منه متساوية في الظهور » .