407
اسباب اختلاف الحديث

السبب السادس والخمسون : التلميح

التلميح ـ بتقديم اللام على الميم ـ لغةً : تفعيل من اللمح ، يقال : لمحه وألمحه؛ أي أبصره بنظر خفيف . وفي اصطلاح البلاغيّين : هو الإشارة إلى قضيّة معهودة لدى المخاطب؛ من قصة معلومة ، أو شعر مشهور، أو مثل سائر . وكذا الإشارة إلى آية معهودة، أو حديث معروف لدى المخاطب ؛ لتوفّر ملاك التلميح .
وعليه فالظاهر أنّ تعريف بعض البيانيّين له ـ بأنّه : «الإشارة إلى قصّة معهودة لدى المخاطب؛ من قصّة معلومة ، أو شعر مشهور، أو مثل سائر» ۱ من باب التعريف بالتمثيل . ۲ قال المحدّث الفيض بعد نقل الحديث التالي :

۴۲۸.عن أبي الحسن عليه السلام أنّه سئل عن العجب الّذي يفسد العمل فقال:العجب درجات ؛ منها أن يزيَّن للعبد سوء عمله فرآه حسنا، فيعجبه ويحسب أنّه يُحسن صنعا . الحديث .

1.جواهر البلاغة: ص۴۱۸ ، وراجع المطوّل في شرح تلخيص المفتاح : ص ۳۷۵ . وقال الأمير يحيى العلوي : «يُقال لمحه وألمحه ، إذا أبصره بنظر خفيّ . . . هذا هو معناه اللغوي ؛ وفي مصطلح علماء البيان ، هو أن يشير المتكلّم في أثناء كلامه ومعاطف شعره أو خطبه إلى مثل سائر ، أو شعر نادر ، أو قصّة مشهورة ، فيلمحها فيوردها لتكون علامة في كلامه» . (الطراز للأمير يحيى بن حمزة العلوي : ج۳ ص۱۷۰ ـ ۱۷۴ ) .

2.كما يشهد بشمول التلميح لما ذكرنا تصريح العلماء بأنّ كذا تلميح إلى آية كذا ، منهم : الفيروزآبادي في القاموس المحيط : ج۱ ص۲۴ و۳۲ قائلاً : «وفي الفقرة جناس الاشتقاق وتلميح لحديث ابن عمر » ، وشيخنا البهائي ، قال في مفتاح الفلاح : ص ۲۱۶ « . . . تلميح إلى قوله تعالى : « وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ » ، وكذا : المولى صالح المازندراني في شرح اُصول الكافي : ج۱ ص۱۸۷ . وغيرهما .


اسباب اختلاف الحديث
406

لا يقال : إنّ صاحب الغار وإن كان خائفا فزعا في أول الأمر ، إلاّ أنّ نزول السكينة من اللّه تعالى أزال عنه ذلك، فأهّله للاُمور المشتملة على البأس، المحتاجة إلى قوّة الجأش .
لما يجاب بأنّ : فزعه الشديد المستمرّ واضح من آية الغار كوضوح استمرار النبيّ صلى الله عليه و آله بتسكينه وعلاج فزعه بقوله: « إِذْ يَقُولُ لِصَـحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا » ، ولكن لا نجد دليلاً على نزول السكينة عليه من قِبله تعالى في تلك الحال ، إذ أفرد سبحانه ضميرَ من أنزل عليه السكينة، قائلاً : «فَأَنْزَلَ اللّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » ، ولا يمكن القول برجوع الضمير إليه دون الرسول صلى الله عليه و آله ؛ إذ لا شكّ أنّ ضمير: « وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ » يرجع إليه صلى الله عليه و آله ، فلا يُشَتَّت بين الضمائر . ۱ وأمّا وقوعه في أحوج ما كان إلى نزول السكينة ، فلا يفي بالدلالة على ذلك .
تنبيه : افترى بعض المناوئين لأمير المؤمنين عليه السلام أنّ عليّا عليه السلام «خطب فقال : لئن لم يدخل الجنّة إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها، ولئن لم يدخل النار إلاّ من قتل عثمان لا أدخلها. فقيل له : ما صنعت يا أمير المؤمنين ! فرَّقت الناس ؟! فخطبهم وقال: إنّكم قد أكثرتم علَيّ في قتل عثمان، ألا إنّ اللّه تعالى قتله، وأنا معه، فأوهمهم أنه قتله مع قتل اللّه تعالى له، وإنّما أراد أنّ اللّه تعالى قتله وسيقتلني معه » ۲ .
أقول : اشتراك أمير المؤمنين عليه السلام في قتل عثمان هو ممّا افتراه عليه معاوية وحزبُه القاسطون الوضّاعون للأحاديث لأجل إلقاء بغضه عليه السلام في قلوب الناس . والأحاديث الصحاح المصرّحة ببراءته عليه السلام من دم عثمان لا تقبل الإنكار والتأويل .

1.لا يقال : إنّه صلى الله عليه و آله لم يكن محتاجا إلى نزول السكينة وإنّما المحتاج إليها هو صاحبه ، فلا محالة يرجع الضمير والسكينة إلى صاحبه ، مهما يكن خلاف الظاهر . لما يجاب بقوله تعالى : « فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ و عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » (الفتح : ۲۶ ) فإنّه كالصريح في أنّ الرسول صلى الله عليه و آله كغيره من المؤمنين بحاجة إلى نزول سكينة اللّه تعالى عليه ، فلم يكن صلى الله عليه و آله غنيّا عنها ، بل كانت قوّةُ قلبه بمثل هذه العنايات الإلهية ، ولولاها لكان بشرا مثلنا . هذا مضافا إلى قوله عزّ من قائل : « هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَـنًا مَّعَ إِيمَـنِهِمْ » (الفتح : ۴ ) ، وكذا : « لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ » (الفتح : ۱۸ ) ، فهاتان الآيتان أيضا تدلاّن على أنّ من شأنه تعالى إنزال السكينة على المؤمنين ، وحيث إنّه صلى الله عليه و آله داخل في عموم المؤمنين ، يشمله نزول سكينة اللّه تعالى .

2.تأويل مختلف الحديث : ص۴۰ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 230385
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي