هو السخرية والتنقيص الملازم للغضب ، مع أنّ القصد في التمليح المزاح والإتيان بالملاحة والظرافة ، لكن الحاصل في الجبان إنّما هو ضدّ الشجاعة، فنزلنا تضادهما منزلة التناسب، وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح والهزء » .
فما قد يظهر من كلمات بعض العلماء من تسويتهما في الاصطلاح ، ۱ لا يمكن الموافقة عليه ؛ لانّ التفريق أنسب بملامح علم البديع .
قال التفتازاني ـ في بيان وجوه التشبيه بين المشبَّه والمشبَّه به ـ ما هذا ملخَّصه :
«اعلم أنّه قد ينتزع الشبَه من نفس التضادّ؛ لاشتراك الضدّين في التضادّ ؛ لكون كلّ منهما متضادّا للآخر ، ثمّ يُنزَّل التضادّ منزلة التناسب بواسطة تمليحٍ ـ أي إتيان بما فيه ملاحة وظرافة ، يقال: ملّح الشاعر ؛ إذا أتى بشيء مليح ـ أو تهكّمٍ ؛ أي سخريّة واستهزاء ، فيقال للجبان : ما أشبهه بالأسد ، وللبخيل: إنّه هو حاتِم . كلّ من المثالين صالح للتمليح والتهكّم ، وإنّما يفرّق بينهما بحسب المقام ، فإن كان القصد إلى ملاحة وظرافة دون استهزاء وسخريّة بأحد فتمليح ، وإلاّ فتهكّم » ۲ .
المثال الأوّل : معنى القضاء والقدر
۴۴۰.۱ . العيّاشي، عن الحسن بن محمّد الجمال، عن بعض أصحابنا، قال:بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجِّه إليّ محمّد بن عليّ بن الحسين ولا تهيِّجه ولا تروِّعه ، واقضِ له حوائجه . وقد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا ، فقال : ما لهذا إلاّ محمّد بن عليّ ، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمّد بن علي إليه ، فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال له أبو جعفر عليه السلام : إنّي شيخ كبير