423
اسباب اختلاف الحديث

السبب الستون : الإنكار

قد يجري في مطاوي الكلام بين رجلين إنكار بلسان الإثبات ، فيحصل بين ظاهره البدئي وبين سائر الأحاديث تنافٍ صوري . والإنكار ربما يكون من أجل اختبار فطنة المخاطب وفراسته ، فيحذف من الكلام الدوالُّ الّتي تدلّ على المراد ، كأدوات النفي، أو لحن الإنكار . وقد يكون لأجل التقيّة ، فيتكلّم بكلمة مبنيّة على الإنكار بوجه يستلزمه مقام التقيّة ، ويترك في طيات كلامه أو القرائن الحافّة به ما يشير به إلى غرضه لمن لا يتقيه ويريد إفهامه ، مع إخفائه على المخاطب ، كأن يستعمل قرينة خفية يعرفها الذين لا يتقيهم، فيهتدون بها للمعنى المراد دون المخاطب ، وهذا القسم يمكن اعتباره من أقسام «المعاريض» ولم نجعلها سببا مستقلاًّ من أسباب الاختلاف ، وإنّما أدرجناها وأشرنا إليها خلال البحث عن التقيّة ، وأرجو اللّه سبحانه أن يوفّقني لإنهاء البحث عن أسباب مشكل الحديث ، لكي أبحث عنها هناك .
وقد يستخِدم المتكلّمُ في كلامه لحنَ الإنكار، أو يستعمل شيئا من أدوات الاستفهام الإنكاري ، فهذا القسم قد يدخل في التهكّم ، وقد يكون لمحض التأكيد على الإنكار، وشدّة تقريره في نفس المخاطب .
ولا يخفى أنّ الحمل على الإنكار من أقدم ما كان يُعرَف بعنوانه ويُستخدم في علاج اختلاف الحديث، كما نرى المحدّث الخبير الشيخ الصدوق كرارا يعالج موارد الاختلاف بذلك. ۱

1.وإليك موردين ممّا حمله على ذلك : أ ـ كتاب من لايحضره الفقيه : ج۲ ص۵۷ ح۲۴۹ ، وعنه في وسائل الشيعة : ج۱۰ ص۴۹۷ ح۱۳۹۴۸ رواية عمرو بن خالد، عن أبي جعفر عليه السلام في وصال شعبان بشهر رمضان وتتابعهما بالصوم . ب ـ كتاب من لايحضره الفقيه : ج۱ ص۲۵ ح۷۷، وعنه في وسائل الشيعة: ج۱ ص۴۳۹ ح۱۱۵۵ رواية أبي جعفر الأحول، عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلامفي الوضوء مثنى مثنى .


اسباب اختلاف الحديث
422

يمكن تقرير التنافي هنا بأنّ ما دلّ على التأويل بالشمس والقمر يُستشمّ منه نوع من المدح للمؤوَّل له ، مع أنّ العذاب يدلّ على استحقاق الذمّ وهما متنافيان .
ويمكن تقريره بوجه آخر وهو أنّ المعذَّبين بعذابه تعالى من مناشئ الظلمة والضلال ، والتأويل بالشمس والقمر يناسب النورانية ، فيحصل التنافي .
وقال المجلسي في علاج هذا الاختلاف : «على هذا التأويل ، يكون التعبير . . . على سبيل التهكّم . . . والمراد بالحسبان العذاب والبلاء والشرّ ، كما ذكره الفيروز آبادي ، وكما قال تعالى: « حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ »۱ » ۲ .
أقول : يمكن القول بأنّ التأويل بالشمس والقمر وإن كان بملاحظة التهكّم ، إلاّ أنّ التشبيه الملحوظ في هذا التأويل ناظر إلى ناريّة المشبَّه بهما، لا إلى نوريّتهما ، فتدبّر .

المثال الرابع : تأويل السمع والبصر والفؤاد

۴۴۴.ما رواه الصدوق في المعاني بإسناده عن عبد العظيم الحسني ، عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه عليهم السلامـ في حديث طويل ملخَّصه ـ : أنّ الحسين بن عليّ عليهماالسلامسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله لمن قال له : «إنّه منّي بمنزلة السمع» ، أو «بمنزلة البصر» ، أو «بمنزلة الفؤاد» . . . قال صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ يقول : « إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـئولاً »۳ » ۴ .

وعالج المجلسي بينه وبين ما يعارضه بحمله على التهكّم ، أو على وجهٍ آخر ، ۵ فمن أراد التفصيل فليراجع .

1.الكهف : ۴۰ .

2.بحار الأنوار : ج۲۴ ص۶۹ .

3.الإسراء : ۳۶ .

4.معاني الأخبار : ص۳۸۷ ح۲۳ والحديث طويل لم يكن بدٌّ من تلخيصه .

5.بحار الأنوار: ج۳۰ ص۱۹۵ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 230345
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي