433
اسباب اختلاف الحديث

محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة ، لا يكون غيره ولا يجيء غيره» ۱ .
ولا يخفى أنّ نظرية دور الزمان والمكان في الاجتهاد وإن كان من أقدم المباحث الفقهية، إلاّ أنّ سيّدنا الإمام الخميني قدس سرهوسّع استعمالها، وأكّد عليها أشدّ تأكيد؛ لما يراه من شدّة مدخليّتها في سلامة الفهم في عملية استنباط الأحكام ، فتكلّم عنها بكلمات قيِّمة رصينة ، وتلقّاها العلماء بالقبول .
لكن حرّفها بعض أهل الزيغ والبدع واستغلّوها طريقا إلى ترويج بِدَعهم وأوهامهم الخليطة ، بل استغلَّها بعض الزنادقة الكفَرة لإشاعة أهوائهم الموسومة بفكرة السكولارية والعرفية المطلقة ، وشتّان ما بين الفكرة الّتي يهدي إليها سيّدنا الإمام قدس سرهوبين ما يُشيعه إليه هؤلاء المضلّون .
لكنّه ليس ببِدْع من أمر أهل البِدَع لكونه من ديدنهم حيث يحكي عنهم الذكر الحكيم : « وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشيطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّه ما يُلْقِي الشيطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّه آياتِهِ وَ اللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ* لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشيطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ»۲ .

1.الكافي: ج۱ ص۵۸ ح۱۹ الكليني بإسناده عن زرارة . وبمعناه ما في: ج۲ ص۱۷ ح۲ بإسناده عن سماعة بن مهران، وكنز الفوائد : ج۱ ص۳۵۲ بإسناده عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام ، وعنه وسائل الشيعة : ج۲۷ ص۱۶۹ ح۳۳۵۱۵ .

2.الحجّ : ۵۲ و۵۳ .


اسباب اختلاف الحديث
432

فللإنسان ـ في ذاته وأخلاقه وأفعاله وحوائجه وكذا في اُموره المتعلِّقة به ـ جهات وعناصر ثابتة لا تقبل أيّ تغيّر ما دام إنسانا ، فلابدّ له من أحكام ثابتة كثبات موضوعاتها ولن يتبدّل شيء منها أبدا ، بل لولا هذه الثوابت لما كان لموارد التبدّل والتغيير أساس ولا مبنى .
كما أنّ هناك أحوالاً متغيِّرة وظروفا مختلفة لهما نوع دخل في موضوعات الأحكام ، كما أنَّ في جنبها حالات وتبدّلات ليس لها أيّ مدخلية في موضوعات الأحكام المذكورة فلا أثر لها في تبدّل أحكامها .
وإنّما يكون التغيّر في الموضوع فلابدّ في دراسة الفقه والحديث من الالتفات إلى استحالة التغيّر في شيء من نفس الأحكام ، وبتبعه في الحكم . بل إنّ نفس الموضوع أيضا لا يعقل تبدّله بما هو هو ؛ لأنه أمر كلّي ملحوظ في تشريع الحكم وإنّما يحصل التغيّر في مصاديقه ، سواء أكانت جزئية خارجية أم كلّية طبيعية مندرجة تحته مع حصول التغيّر في أفراد الكلّي ، وسواء أكانت على وجه استحالة تلك المصاديق وتبدّل ماهيّاتها بتبدّل العرف أو تقدّم الصناعات ، أم بوجه انتفاء تركّبه المتكوِّن من مجموع الأجزاء الّتي لها مدخلية في تشريع الحكم ، بأن زيد على أجزائه أو نقص ، فانتفى الموضوع الذي له تلك الخصوصيات الّذي انيط به التشريع . فبتبدّل الموضوع وصيرورته شيئا آخر يتبدّل حكمه إلى حكم الموضوع الجديد ، فإن عاد الموضوع الأوّل بجميع ما له دخل في الحكم لعاد حكمه . وعليه فلا يعقل حصول أيّ تغيّر في نفس الحكم .
ثمّ إنّ تبدّل الموضوع يتصوّر على نحوين :
أ ـ تحوّل الموضوعات وتطوّرها بالشكل المذكور آنفا .
ب ـ طروء أحوال مؤقّتة وعناوين ثانوية تقتضي تبدّل الحكم السابق إلى حكم جديد بملاحظة تبدّل موضوعه ولو بتغيّرٍ في بعض أجزائه المركّبة ممّا له دخل في التشريع .

الخامس : تحريف نظريّة دور الزمان والمكان

بالتحليل المتقدّم في الأمرين الثالث والرابع يمكن الجمع بين الأدلّة الدالّة على تغيّر الأحكام بتطوّر الظروف وتبدّل الأحوال ، وبين الأحاديث الدالّة على أنّ «حلال

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 233386
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي