فللإنسان ـ في ذاته وأخلاقه وأفعاله وحوائجه وكذا في اُموره المتعلِّقة به ـ جهات وعناصر ثابتة لا تقبل أيّ تغيّر ما دام إنسانا ، فلابدّ له من أحكام ثابتة كثبات موضوعاتها ولن يتبدّل شيء منها أبدا ، بل لولا هذه الثوابت لما كان لموارد التبدّل والتغيير أساس ولا مبنى .
كما أنّ هناك أحوالاً متغيِّرة وظروفا مختلفة لهما نوع دخل في موضوعات الأحكام ، كما أنَّ في جنبها حالات وتبدّلات ليس لها أيّ مدخلية في موضوعات الأحكام المذكورة فلا أثر لها في تبدّل أحكامها .
وإنّما يكون التغيّر في الموضوع فلابدّ في دراسة الفقه والحديث من الالتفات إلى استحالة التغيّر في شيء من نفس الأحكام ، وبتبعه في الحكم . بل إنّ نفس الموضوع أيضا لا يعقل تبدّله بما هو هو ؛ لأنه أمر كلّي ملحوظ في تشريع الحكم وإنّما يحصل التغيّر في مصاديقه ، سواء أكانت جزئية خارجية أم كلّية طبيعية مندرجة تحته مع حصول التغيّر في أفراد الكلّي ، وسواء أكانت على وجه استحالة تلك المصاديق وتبدّل ماهيّاتها بتبدّل العرف أو تقدّم الصناعات ، أم بوجه انتفاء تركّبه المتكوِّن من مجموع الأجزاء الّتي لها مدخلية في تشريع الحكم ، بأن زيد على أجزائه أو نقص ، فانتفى الموضوع الذي له تلك الخصوصيات الّذي انيط به التشريع . فبتبدّل الموضوع وصيرورته شيئا آخر يتبدّل حكمه إلى حكم الموضوع الجديد ، فإن عاد الموضوع الأوّل بجميع ما له دخل في الحكم لعاد حكمه . وعليه فلا يعقل حصول أيّ تغيّر في نفس الحكم .
ثمّ إنّ تبدّل الموضوع يتصوّر على نحوين :
أ ـ تحوّل الموضوعات وتطوّرها بالشكل المذكور آنفا .
ب ـ طروء أحوال مؤقّتة وعناوين ثانوية تقتضي تبدّل الحكم السابق إلى حكم جديد بملاحظة تبدّل موضوعه ولو بتغيّرٍ في بعض أجزائه المركّبة ممّا له دخل في التشريع .
الخامس : تحريف نظريّة دور الزمان والمكان
بالتحليل المتقدّم في الأمرين الثالث والرابع يمكن الجمع بين الأدلّة الدالّة على تغيّر الأحكام بتطوّر الظروف وتبدّل الأحوال ، وبين الأحاديث الدالّة على أنّ «حلال