فالتنافي والمطاردة بين العنوانين إنّما تحصل بسبب اتّحاد موضوع الحكمين في الخارج ، وبعبارة اُخرى: يقع التنافي بين دليلي العنوان الأوّلي والثانوي بسبب انطباق موضوع العنوان الأوّلي على مورد في الخارج يصدق عليه موضوع العنوان الثانوي أيضا . فإن كان موطن التنافي والمطاردة في مقام الامتثال ، رجع إلى مرجّحات باب التزاحم ، فيرجّح أحدهما بشيء من المرجّحات ، المذكورة هناك . وإن كان التنافي بين دليلين مع كون أحدهما ناظرا إلى صورة طروء حالة خاصّة ، فبعد ظهور وجه التنافي بينهما يجمع بينهما بحمل أحدهما على تلك الحالة وكونه ناظرا إلى العنوان الثانوي .
وهذا الأخير هو الّذي عقدنا له هذا البحث فإنّه من أسباب اختلاف الحديث .
2 . صور المطاردة بين العناوين
إذا فرض العنوانان المتنافيان أوّليين ، وكان للسان دليليهما دلالة على كونهما عنوانين أوّليّين ، أو استكشفنا تعدّدهما من سائر القرائن والشواهد المنفصلة أو المتّصلة الخافية ، فلا تنافيَ بينهما ، فإنّهما موضوعان لكلّ واحد منهما حكم يختصّ به . اللّهمّ إلاّ إذا فرض تعنون الموضوع الواحد في لسان الدليلين بعنوانين مختلفين ، واستكشِف اتّحادهما في مراد الشارع ، فبعد ظهور اتّحادهما لا يعقل الخلاف بينهما ، ومع عدم انكشاف وجهه يعالج الاختلاف بينهما بما ذكر في باب تعارض الأدلّة .
وعليه فلا تنافي بين دليلين أحدهما يدلّ على وجوب الحجّ والآخر على حرمة زيارة الظلَمة ، وإن كانا متوقّفين على السفر ، فلا يدّعى اختلافهما في حكم السفر . وكذا إذا كانا عنوانين ثانوييّن ؛ لعدم تعقّل التنافي بينهما بعد ظهور دليليهما في التعدّد؛ لرجوعهما إلى تعدّد الحكم بتعدّد الموضوع ، فإنّ العناوين الثانوية عبارة عن حالات طارئة على الموضوع تغاير الحالات المتعارفة للشيء العادية الّتي بلحاظها يتوجّه الحكم إليه ، ومن الواضح أنّ الحالات الطارئة لا تجتمع كي تحصل المطاردة بينها ، بل تتوالى الحالات المختلفة على الشيء ، فيصير الشيء في كلّ حال محكوما بحكم مخصوص بتلك الحال . فلا تنافي بين