فإن قلت : إذا كان النقل بالمعنى مقتضيا لهذا الإخلال والإعضال فلماذا يسوّغه الشارع الأقدس «جلّ وعلا» وحججه المعصومون عليهم السلام ؟!
قلت : لنفس السبب الذي لأجله سوّغه العقلاء وأبناء العرف ، مع علمهم باقتضائه لنقل الخلاف كثيرا ؛ فإنّ إلزام الناس بنقل الأقوال حرفيا بحرف ، والسكوت فيما لو لم يمكنهم النقل كذلك يستلزم ـ من المحذورات ـ ما لايخفى على ذي مسكة بأدنى تأمّل ؛ فإنّه يؤدّي إلى تعطيل النقل وحكاية الأقوال والآراء في الأوساط العلمية ، بل وفي الاُمور العادية، وتعطيل الشهادات في المحاكم والدعاوي، وما إلى ذلك . بل الخطب ـ في إيجاب نقل متون الشريعة حرفيّاً ـ أفدح ، لقلّة توفّر أدوات الكتابة، وسذاجة فنّها، بل وقلّة من كان يحسنها في تلك العصور .
أضف إلى ذلك أنّ تجويز النقل بالمعنى مشتمل على فوائد جمّة تتضاءل في جنبها تلك الأضرار والمحذورات . ولإيضاح البحث اُقدّم بعض ما يحضرني من أمثلة هذا السبب :
المثال الأوّل : إنّ اللّه خلق آدم على صورته
۲۱.۱ . قال حرب الكرماني في كتاب السنّة:سمعت إسحاق بن راهويه يقول : صحّ : «إنّ اللّه خلق آدم على صورة الرحمن» .
ثمّ قال : قال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح . ۱
۲۲.۲ . روى الكليني قدس سره بإسناده عن حمزة بن محمّد، قال :كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة، فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صورة . ۲
۲۳.۳ . وروى الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال :كتبت إلى الرجل ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ : إن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : هو جسم ومنهم من يقول : صورة . فكتب عليه السلام بخطّه : سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ، ليس كمثله