53
اسباب اختلاف الحديث

فإن قلت : إذا كان النقل بالمعنى مقتضيا لهذا الإخلال والإعضال فلماذا يسوّغه الشارع الأقدس «جلّ وعلا» وحججه المعصومون عليهم السلام ؟!
قلت : لنفس السبب الذي لأجله سوّغه العقلاء وأبناء العرف ، مع علمهم باقتضائه لنقل الخلاف كثيرا ؛ فإنّ إلزام الناس بنقل الأقوال حرفيا بحرف ، والسكوت فيما لو لم يمكنهم النقل كذلك يستلزم ـ من المحذورات ـ ما لايخفى على ذي مسكة بأدنى تأمّل ؛ فإنّه يؤدّي إلى تعطيل النقل وحكاية الأقوال والآراء في الأوساط العلمية ، بل وفي الاُمور العادية، وتعطيل الشهادات في المحاكم والدعاوي، وما إلى ذلك . بل الخطب ـ في إيجاب نقل متون الشريعة حرفيّاً ـ أفدح ، لقلّة توفّر أدوات الكتابة، وسذاجة فنّها، بل وقلّة من كان يحسنها في تلك العصور .
أضف إلى ذلك أنّ تجويز النقل بالمعنى مشتمل على فوائد جمّة تتضاءل في جنبها تلك الأضرار والمحذورات . ولإيضاح البحث اُقدّم بعض ما يحضرني من أمثلة هذا السبب :

المثال الأوّل : إنّ اللّه خلق آدم على صورته

۲۱.۱ . قال حرب الكرماني في كتاب السنّة:سمعت إسحاق بن راهويه يقول : صحّ : «إنّ اللّه خلق آدم على صورة الرحمن» .
ثمّ قال : قال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح . ۱

۲۲.۲ . روى الكليني قدس سره بإسناده عن حمزة بن محمّد، قال :كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة، فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صورة . ۲

۲۳.۳ . وروى الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال :كتبت إلى الرجل ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ : إن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : هو جسم ومنهم من يقول : صورة . فكتب عليه السلام بخطّه : سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ، ليس كمثله

1.راجع فتح الباري : ج۵ ص۱۸۳ .

2.الكافي: ج۱ ص۱۰۴ ح۲ .


اسباب اختلاف الحديث
52

فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَـفِقِينَ وَالْكَـفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا » 1 .
والمراد بما « قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَـبِ » قوله عزّ من قائل :
« وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءَايَـتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَـنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّــلِمِينَ » . 2
علما أنّ الآية الثانية ـ بسورتها النازلة دفعة واحدة أعني سورة الأنعام ـ قد نزلت قبل سورة النساء . 3
د ـ دلالة كثير من الأحاديث عليه . 4
ولا يخفى أنّ النقل بالمعنى وإن كان جائزا في الشريعة الإسلامية ، إلاّ أنّ لجوازه شرائطَ ، منها كون الراوي عارفا باللغة، وأساليب البيان، وصنوف الدلالات ؛ لئلاّ يشذّ عنه شيء من مقاصد الكلام ودقائق المعاني ، حسب العادة . فمن «لا يعلم مقاصد الألفاظ وما يُحيل معانيَها ومقادير التفاوت بينها ، لم يجز له أن يروي الحديث بالمعنى». 5 وسنشير إلى بعض شروطه اجمالاً في ختام هذا المبحث ، إذ لا يسع المجال للتفصيل في ذلك . 6

1.النساء : ۱۴۰ .

2.الأنعام : ۶۸ .

3.وذلك لأنّ سورة الأنعام مكّية، والنساء مدنيّة ؛ راجع مجمع البيان : ج۱۰ ص۶۱۳ ذيل آيات الطائفة الاُولى من سورة الإنسان .

4.منها : الكافي : ج۱ ص۵۱ ح۱و ۲و ۳ ، وبحار الأنوار : ج۲ ص۱۶۱ ح۱۷ و ص۱۶۲ ح۲۳ و ص۱۶۲ ح۲۴ و ص۱۶۴ ـ وفيها حديثان عن محمّد بن مسلم وداوود بن فرقد كلاهما عن أبي عبد اللّه عليه السلام ـ . وراجع كنز العمّال: ج۱۰ ص۲۳۰ ح۲۹۲۱۵ و ص۲۳۶ ح۲۹۲۵۱ و ص۲۲۸ ح۲۹۲۰۰ ـ ۲۹۲۰۴ وص۲۲۹ ح۲۹۲۰۵ ـ ۲۹۲۰۷ .

5.ما بين الأقواس مقتضب من كلام الشهيد الثاني في الرعاية .

6.راجع ـ مضافا إلى كتاب الرعاية ـ وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار : ص ۱۵۱ ، مقباس الهداية : ج۳ ص۲۴۵ ، نهاية الدراية : ص ۴۸۸ ، قوانين الاُصول : ص ۴۷۹ ، تدريب الراوي : ج۲ ص۹۲ ، مقدّمة ابن الصلاح في علوم الحديث : ص ۷۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254033
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي