57
اسباب اختلاف الحديث

رواه هو والشيخ الطوسي في التهذيب من خبر الصحاري عن أبي عبد اللّه عليه السلام ـ ... إلى أن قال : ـ الّذي هو مع شذوذه، وضعف سنده، واحتماله الوقف على نفس المسجد، أو للتزويق والزخرفة، أو وقف الأولاد للخدمة كما كان في الشرع السابق، وغير ذلك وإن بعد ، فيمكن حمله على إرادة بيان الأولوية بالجواز ممّا ذكر فيه من التعليل ، فيكون حينئذ مؤيّدا لترك «لا» في بعض النسخ في المرسل الذي يكون حينئذٍ صريحا على هذا التقدير في الجواز، الموافق لما دلّ على الأمر بعمارتها وكنسها وغير ذلك، ممّا يكون الوقف مقدّمة له» ۱ .
أقول : إن صاحب الجواهر قدس سره حمل المرسل؛ أعني الرواية الثانية على أحد وجوه ثلاثة ، وجعل النقل بالمعنى واحدا منها :
1 . احتمال الوقف على نفس المسجد، أو للتزويق والزخرفة، وأمثال ذلك .
2 . حمله على زيادة «لا» في قوله: «لا يجوز»، وأيّده بعدم وجودها في بعض النسخ .
3 . حمل الرواية الاُولى؛ أعني رواية أبي الصحاري على بيان الأولويّة بالجواز ، والقول باتّحاد الروايتين . وهذا الوجه مستلزم لكون المرسل منقولاً بالمعنى . كما حمله عليه المحدّث الحرّ العاملي قدس سرهبعد نقل الروايتين ـ مشيرا إلى رواية أبي الصحاري ـ بقوله : «هذا غير صريح في المنع، بل يحتمل إرادة الجواز، والاستدلال عليه بالأولوية ؛ لما مرّ من الأمر بعمارة المساجد، والإسراج فيها، وكنسها، وغير ذلك، والوقف وسيلة إلى جميع ما ذكر» ۲ .
ودعوى أنّ هذا المثال ليس من أمثلة كون الإخلال في النقل بالمعنى سببا لاختلاف الحديث ، وإنّما ينبغي عدّه من أمثلة سببيّة الزيادة لذلك ـ أي زيادة «لا» في قوله: «لا يجوز»، كما يؤيّده عدم وجودها في بعض النسخ ـ ضعيفة جدّا ؛ لقبح الاستدلال على جواز الوقف في الشريعة الإسلامية بعمل المجوس في دينهم، مضافا إلى مرجوحية النسخة الفاقدة لِـ «لا» .

1.جواهر الكلام : ج۲۸ ص۳۰ ـ ۳۱ .

2.وسائل الشيعة: ج۵ ص ۲۹۲ .


اسباب اختلاف الحديث
56

علاج الاختلاف :

إنّ التأمّل في الروايتين وقياس إحدهما بالاُخرى يورث الاطمئنان باتّحادهما في الأصل ، وأنّ الثانية قد نقلت بالمعنى مع اختلال في نقل ما رامه الإمام عليه السلام منها ؛ فإنّ جواب الإمام عليه السلام عن السؤال عن حكم الوقف مبنيّ على أنّ الوقف صدقة جارية مشروعة في كلّ برّ وخير . فإذا كان المجوس يوقفون على بيوت نيرانهم ـ لعمارتها، وإصلاحها، وأداء نفقتها، كعمل مرضيّ لدى عقلائهم ـ فبيوت اللّه تعالى أولى بذلك . والنفس تقطع بهذا المعنى المتفاهَم لدى العرف ، لاسيما إذا انضمّت إليه الأحاديث الدالّة على إطلاق حسن الوقف واستحبابه في كلّ خير ، وكذا ما ورد في استحباب عمارة المساجد، والإسراج فيها، وكنسها، وما إلى ذلك ، والوقف من أحسن السبل إليها .
والظاهر أنّ الراوي ـ في الرواية الثانية ـ فهم من قوله عليه السلام : «إنّ المجوس أوقفوا على بيت النار» أنّ الإمام في صدد ذمّ التشبّه بالمجوس، ۱ والنهي عن الوقف لأجل ذلك ، فنقله بالمعنى الذي فهمه منه، فوقع في الخطأ المذكور .
غير إنّ الذي يبعّد ويفنّد هذا المزعوم ، أنّه مخالف لعمومات استحباب الوقف وإطلاقاته الآبية عن التقييد والتخصيص بمثل هذه الموارد ، مع أنّه لم يثبت دليل على استثناء خصوص المساجد . والرواية الثانية غير كافية لتقييد الإطلاقات أو لتخصيص العمومات بعد احتمال اتّحاد الروايتين ، فضلاً عن الاطمئنان به .
مضافا إلى مخالفته للمتفاهم العرفي والارتكاز الشرعي والعقلي والعقلائي؛ من محبوبية الوقف في كلّ خير ، فيكون قرينةً لُبيّة متّصلة بالكلام موجبةً لانعقاد ظهوره في ما ذكرناه .
قال صاحب الجواهر قدس سره : أمّا المرسل في الفقيه ـ في باب فضل المساجد ـ : أنّه سئل عن الوقوف عليها ، فقال : لا يجوز؛ لأنّ المجوس وقفوا على بيوت النار. المراد به على الظاهر ما

1.كما ورد النهي عن التشبّه بهم في كثير من الأحاديث ، منها: معاني الأخبار: ص۲۹۱ ح۱ ، كتاب من لايحضره الفقيه : ج۱ ص۷۶ ح۳۳۴ و ج۱ ص۱۶۳ ح۷۶۹ ، وسائل الشيعة: ج۲ ص۱۱۶ ح۱۶۵۹ و۱۶۶۰ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227393
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي