السبب الثمانون : التأويل أو التفسير بالبطون
التأويل لغةً : تفعيل من « الأول » ؛ أي الرجوع ، أوَّل الكلامَ وتأوَّله : دبَّره وقدَّره . وهو في الروايات وإن كان قد يستعمل فيما يرادف التفسير ، ۱ إلاّ أنّ الغالب من استعماله ـ لاسيّما إذا استعمل في مقابل التنزيل ـ عبارة عن «صرف الكلام عن وجهه، وإرجاعه إلى ما هو مراد المتكلّم من حاقّ هذا الكلام» ولا بأس بتعريفه بـ «استخراج حقيقة كامنة من وراء ثوب اللفظ» أيضا ، فيشمل كلاًّ من تأويل المتشابه، واستخراج البطون .
بيان ذلك : أنّ المعاني القرآنية على قسمين : الأوّل : ما يكون لفظه حاكيا ومعبّرا عنه بوضوح، ويدلّ عليه بحسب ذاته ، بوجه يفهمه عوام أهل اللسان . الثاني : ما لايكون كذلك ، إمّا لوجود معانٍ مستورة وراء ثوب اللفظ، وإمّا لكون اللفظ متشابها محتملاً لمعانٍ مختلفة ، أو ظاهرا في معنى غير مراد للمتكلّم .
فالقسم الأوّل من المعاني لا يحتاج إلى التأويل ، لوضوحه عند نوع المخاطبين ، نعم إن كان فيه غموض ، يوضح بموادّ التفسير بالمعنى الأخصّ كما تقدّمت الإشارة إليه . والّذي يجري فيه التأويل إنّما هو القسم الثاني بشقّيه ؛ لأنّ تعيين مراد المتكلّم حقيقةً وفي نفس الأمر فيما لايحكي عنه لفظه بحسب ذاته ۲ محتاج إلى التأويل ؛ أي إلى صرف اللفظ وإرجاعه إلى الوجه المراد في المتشابه ، أو إلى البطن المستتر تحت ثوب الظاهر ، فيقال: مرجع هذا الكلام ومآله إلى كذا .