607
اسباب اختلاف الحديث

والفلق ، ورجب، وغيرها . فإنّ الظاهر من الأحاديث الواردة فيها أنّها أعلام أو أسماء أجناس للمعاني المشار إليها أحيانا ، وإن كان يلاحظ بين تلك المعاني وبين معانيها الدنيوية بعض المناسبات .
والّذي يدلّ على كون تلك المعاني من معانيها الخاصّة في تلك الحضيرة ، أنّ المناسبة الموجودة بين المعنى المذكور وبين المعنى الدنيوي موجودة في اُمور اُخَر هناك إلاّ أنّ هذه اللفظة القرآنية تفسَّر بمعنى خاصّ من تلك المعاني الموجودة هناك فقطّ ، بوجه يفهم لها خصوصية تمنع من التعميم ، فلا يرد عليه أنّ إثبات شيء لاينفي ما عداه .
نظير كلمة «ويل» الّتي هي في اللغة كلمة وعيد وعذاب ، وقد فسّرت في الأحاديث بجُبّ أو بئر في جهنّم مملوء بالنار ، فلو لم يكن التفسير المذكور من تفسير الشيء ببعض معانيه الحقيقية بل لمحض العلائق المجازية لفُسِّر بكلّ مصداق من أيّ نوع من العذاب . وكذا «الفلق» فإنّه وإن ذكرت له معانٍ عديدة منها : الصبح ، الشقّ ، الخلق ، إلاّ أنّه قد ورد في تأويله : «صدع في النار فيه ...» ۱ ، أو أنّها «جبّ في جهنّم ، إذا فتح أسعر النار سعرا » ۲ ؛ ونحو ذلك .
وعليك بالرجوع إلى سائر الروايات المرويّة في معنى الفلق ، وكذا ما ورد في ذيل سائر الألفاظ المذكورة .
فإنّ المتأمّل في الأحاديث المشار إليها يحصل له اطمئنان بأنّ أمثال هذه الألفاظ أسامٍ خاصّة للمعاني المذكورة .
وأمّا مثل كلمة «الميزان» في الآخرة وتفسيرها بأميرالمؤمنين عليه السلام ، أو بعَمله، فالظاهر أنّه لا يكون من معانيه الخاصّة ، بل من باب الاستعمال والتطبيق على بعض مصاديق معانيه الاُخرويّة ، فإنّ بإزاء الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة معانٍ لها مصاديق في الملكوت، كما أنّ لها معانٍ في هذه الدنيا .

1.معاني الأخبار : ص۲۲۷ ح۱ .

2.تفسير القمّي: ج۱ ص۳۷۷ .


اسباب اختلاف الحديث
606

حيث استند الإمام عليه السلام في النهي عن الحلف صادقا وكاذبا إلى قوله تعالى : « وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لاِّيْمَـنِكُمْ » ، والعرضة للأيمان هنا بمعنى ما يجعل في معرض الحلف ، فهذا الحكم مستفاد من صدر الآية بلحاظ انفصاله عن ذيلها . وبملاحظة اتّصال صدرها بذيلها يستفاد أنّها تنهى عن جعل اللّه تعالى في معرض الأيمان ليُحلَف به على ترك البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس ، فيكون معنى الآية: ولا تجعلوا الحلف باللّه تعالى مانعا من خصال الخير ، أو نحوه ، واللّه العالم .
تنبيه : لا يخفى أنّ عنوان «وصل المنفصل وفصل المتّصل » يختلف عن «الموصول لفظا المفصول معنىً » ۱ ، الّذي هو من أسباب مشكل القرآن ، لأنّ الثاني متعلّق بتفسير ظهر القرآن وتنزيله ، مع أنّ الأوّل متعلّق ببطنه وتأويله ، أو يعمّهما ، فإنّ فصل المتّصل لاستخراج شيء من المعاني من الآية لاينافي كون الاتّصال أيضا مقصودا من كلام اللّه الحكيم تبارك اسمه ، مع أنّه لم يقصد من الموصول لفظا المفصول معنىً إلاّ لحاظ كون الكلام منفصلاً بحيث لو اُريد به الاتّصال لاستلزم محذورا . نعم صياغة الكلام في اُسلوب مخالف للأصل في كلام البليغ الحكيم لابدَّ وأن يكون لفائدة ونكتة بلاغية تختلف بحسب اختلاف مقامات الكلام .

7 . وضع الألفاظ بإزاء معانٍ اُخروية أو عُلوية

هناك روايات كثيرة دالّة على أنّ اللفظ القرآني قد يستعمل في معانٍ متعلِّقة بالآخرة أو الملكوت . وهذه الاستعمالات وإن أمكن حملها أحيانا على بعض أنحاء التوسّع ، إلاّ أنّه لا يمكن ذلك دوما ، فلابدّ من اعتبارها حقائق ؛ بأن توضع هذه الألفاظ بإزاء تلك المعاني الاُخروية أو الملكوتية بوضع خاصّ كالأعلام، أو بوضع عامّ كأسماء الأجناس مثلاً .
كما نجد ذلك في بعض الألفاظ الواردة في القرآن والسنّة بالإضافة إلى معانيها المذكورة فيهما ، ويكفيك التأمّل في المعاني الواردة في : الكوثر ، والخير ، وطوبى ، والويل ، والويح ،

1.بحثه السيوطي في الإتقان في علوم القرآن : ج۱ ص۳۰۹ ح ۳۱۲ في النوع التاسع والعشرين من أنواع علوم القرآن .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254650
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي