609
اسباب اختلاف الحديث

الخاتمة

بحثنا فيما تقدّم ـ بحمده تعالى وحسن توفيقه ـ عن ثمانين سببا من أسباب اختلاف الحديث ، وإن أضفنا إليها ما أشرنا إليه خلال المباحث ، زادت على المئة . والّذي منعني عن البحث عن الباقي مستقلاً اُمور ، منها : خوف الإطالة، والوثوق بأنّ القدر المبحوث عنه يعطينا اتّساعا في معرفة الأسباب، وبصيرةً فيما لم يُبحث عنه . مضافا إلى الدواعي والمصالح المقتضية لعدم التعرّض لبعض المباحث والجهات . ولم يكن ذلك عجزا، بل كانت عناصر البحث متوفّرة ومع ذلك امتنعت عنها لما ذكر.
ولا بأس بالإشارة إلى عدد من هذه الأسباب، علما أنّ محور البحث هو الأسباب التي تسبّب الاختلاف مباشرة، لا ما كان من أرضيّات الاختلاف ودواعيه، والأسباب هي: تعمّد الكذب، والنسيان ، وسوء الحفظِ ، وضعف النفسِ المقتضي لقبول التلقين ، والغلوّ، والعصبية، والانحياز المذهبي ، وقلّة الخبرة بمؤهَّلات التحديث، وبدائية آلات القرطاسية والاستنساخ وصناعة الطباعة و ما إلى ذلك ، وكذا بساطة قواعد الإملاء ، ومنع تدوين الحديث من قبل الحكومة والخلافة، والركون إلى نقل الصدر عن الصدر، ۱ والتضييق والمنع من الاتّصال بآل البيت عليهم السلام ، ورجوع الجهّال وروّاد العلم إلى أهل الكتاب والركون إلى

1.الأمر الّذي قد أثّر في أحاديث أتباع مدرسة الخلفاء بما لا يمكنهم التفصّي عنه ما داموا ملتزمين ومكتفين بما ورد عن طريقتهم ، ومن شواهد ذلك أنّك قلّما ترى حديثا لم يُنقل بوجوه متضاربة ، مضافا إلى كثرة تناقض الأحاديث وتنافيها بما يأبى عن الجمع بين مداليلها .


اسباب اختلاف الحديث
608

توضيحه : مقتضى التحقيق أنّ للألفاظ ـ في الجملة ـ دلالة على معانٍ سِعِيّة قابلة للانطباق على مصاديقها المختلفة المتطوّرة المتحقِّقه في جميع الأزمنة والأمكنة ، بل على مصاديقها في كلّ عالَم بمقتضى نوع تحقُّق تلك المعاني في ذلك العالَم ، بل قد يقال: ما من شيء في عالمنا السفليّ إلاّ وله بإزائه نوع تحقُّق في العالَم العلويّ ، وإنّما الاختلاف بينهما هو ما يقتضيه كمال ذلك العالم وسعَته بالنسبة إلى هذه الدار المحكومة بالضيق ، فالمعاني الموجودة في تلكم العوالم بحاجة إالى ألفاظ تحكي عنها . ولا يهمّنا الكلام في ماهيّة تلك الألفاظ ، وإنّما غرضنا هو الإشارة إلى تلك المعاني العلويّة وما بإزائها من الأسماء الخاصّة والعامّة ، فبينا نلاحظ ألفاظ الآيات والأحاديث ولا نعرف لها إلاّ معانٍ محدودة في عالمنا وظروفنا الّتي نعيش فيها من الزمان والمكان والبيئة، يرى المعصومون عليهم السلام لها معاني متعدّدة، ولكلٍّ منها مصاديقَ ومجاريَ عديدة في عوالم متعدّدة ، فإذا وجدوا من له أهلية البيان أوضحوها وفسّروها له ببيان أو إشارة .
وقد تكلّم المحقِّقون عن هذا المعنى بما يغنينا عن إطالة الكلام في البرهنة عليه ، ويكفيك منها مراجعة ماذكره العلاّمة الطباطبائي قدس سره، ۱ والمحدِّث الفيض ۲ ، فلكلٍّ منهما كلمة قيِّمة في هذا المعنى، ولا يسعنا نقلها لضيق المجال .

1.راجع الميزان في تفسير القرآن: ج۱ ص۸ ـ ۱۱ .

2.راجع تفسير الصافي : ج۱ ص۳۱ ـ ۳۳ المقدّمة الرابعة .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254389
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي