75
اسباب اختلاف الحديث

نعم اعتبر علماء الحديث والرجال «التخليطَ» من ألفاظ ذمّ الراوي وجرحه ، ۱ لكن لامطلقا بل فيما إذا وُصف به الراوي في نفسه . دون ما إذا وُصف به فعله فإنّه لا يمنع من قبول روايته بعد إحراز وثاقته واتّصافه بالضبط ، أو مع إمكان التمييز بين موارد تخليطه وغيره ، كما أشرنا إليه آنفا في الهامش . ۲
والّذي نعتبره من أسباب اختلاف الحديث هو الثاني؛ أعني فعل التخليط، سواء حدث من الثقة الضبط، أم من المخلِّط في عقله أو عقيدته أو طريقته .
فمن ذلك : أن يسمع قضيّة من غير المعصوم عليه السلام ، أو حديثا من غير ثقة، مع سماعه حديثا أو أحاديث من المعصوم، أو من ثقة نقلاً عن المعصوم، فيشتبه عليه الأمر فيُسند إلى المعصومِ أو الثقةِ ما لم يَسمَعه منهما . أو أن يسمع قضيّة من المعصوم أو الثقة بوجه خاصّ، ثمّ يتلقّى تلك القضية بزيادات وجهات غير موجودة في حديث المعصوم أو الثقة، فيخلط بين تلك القضيّة وبين هذه الزيادات والجهات عند روايتها. أو أن يسمع حديثا من المعصوم، أو من الراوي عنه، ثمَّ يسمع حديثا آخر عنه ، فيمزج بينهما؛ لزيغ بصره في الكتابة والاستنساخ، أو تخليط ذهنه، أو ما إلى ذلك . فيحصل التنافي بين هذا الحديث المسند إلى المعصوم وبين غيره من الأحاديث .
وكذا إذا سأل المعصومَ وغيرَه عن مسألة فأجاباه عنها ، ثمّ اشتبه عليه فأسند إلى المعصوم عليه السلام ما لغيره .

1.راجع ؛ الرعاية : ص۲۱۰ ، الدراية في علم مصطلح الحديث : ص۸۰ ، ومقباس الهداية : ج۲ ص۳۰۵ .

2.راجع اُصول الحديث وأحكامه: ص۱۷۰ حيث حكى عن الشيخ سديد الدين عدَّه ابن إدريس مخلِّطا ، وعن الشيخ الطوسي عدَّه عليّ بن أحمد العقيقي كذلك مع كونه إماميّا .


اسباب اختلاف الحديث
74

المخلّط على من خولط في عقله ؛ لهرم أو غيره ، ومن خولط في عقيدته ففسدت ، ومن تغيّرت وفسدت طريقته في التحديث بعدما كان على استقامة من المشاعر والعقيدة والطريقة ، وقد يطلق على من يكثر التخليط في حديثه، دون من قد يخلِّط ، بل قد يقع التخليط في حديث الثقة الضبط ومع ذلك فهو غير منافٍ لوثاقته في نفسه؛ فإنّه من لوازم عدم العصمة، لا من لوازم عدم الوثاقة .
والمعتبر في أسباب اختلاف الحديث هو التخليط العملي، سواء حصل من المخلّط، أو ممّن قد يحصل التخليط في حديثه ، وإليك توضيحه :
قال الشهيد الثاني قدس سره ـ في المسألة السابعة من مسائل باب من تردّ روايته ومن تقبل ـ : والمعقودة لبيان حال من اختلط وخلّط ـ : «من خلّط بعد استقامته بخُرق؛ وهو الحمق وضعف العقل ، وفسق ؛ كالواقفة بعد استقامتهم ... وغيرهما من القوادح يقبل ما روي عنه قبل الاختلاط ، لاجتماع الشرائط، وارتفاع الموانع ، ويردّ ما روي عنه بعده ... » ۱ .
أقول : يظهر من كلام الشهيد قدس سره أنّ التخليط أعمّ من فساد العقل والعقيدة والطريقة في التحديث ، فيندرج فيه عروض كلّ ما يوجب قلّة مبالاة الراوي في مقام الأخذ، بحيث لايتورّع الراوي عمّن يأخذ وماذا يروي، فيروي كلّ ما سنح له من الغثّ والسمين، والرخيص والثمين . لكن لا يخفى أنّ هذا كلّه يرجع إلى وصف الراوي ـ في نفسه ـ بالتخليط ، والشاهد على ذلك حكمه بعدم قبول رواية المخلِّط بعد التخليط مطلقا . ۲

1.الرعاية : ص۲۱۰ .

2.لأنّ وقوع التخليط من الراوي لايمنع عن قبول روايته إذا لم تتّصف به نفسه، مع إمكانِ التمييز بين رواياته، أو الوثوقِ بها ولو بالاُصول العقلائيّة . ومن الشواهد على هذا التعميم في عنوان التخليط : (أ ) . ما رواه الطبرسي في الاحتجاج بإسناده عن أبي محمّد العسكري عليه السلام : «من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا، ولا كرامة ، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك ؛ لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا، فيحرّفونه بأسره؛ لجهلهم، ويضعون الأشياء على غير وجوهها؛ لقلّة معرفتهم ، وآخرون يتعمّدون الكذب علينا» الحديث ؛ (الاحتجاج : ج۲ ص۵۱۱ ح۳۳۷ ، وسائل الشيعة : ج۲۷ ص۱۳۱ ح۳۳۴۰۱) . (ب ) . ما ذكره الرجاليّون كالنجاشي في ترجمة محمّد بن وهبان أبي عبد اللّه : «ثقة ، من أصحابنا، واضح الرواية ، قليل التخليط ... » (رجال النجاشي : ص۲۸۲) . وكالشيخ في ترجمة محمّد بن اُورَمة : «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد الأهوازي، وفي رواياته تخليط، أخبرنا بجميعها إلاّ ما كان فيها تخليط أو غلوّ ابن أبي جيّد عن...» (الفهرست : ص۲۲۰ الرقم ۶۲۰ ، وراجع الرواشح : ص۱۰۷ «الراشحة ۳۴» ، مضافا إلى ما ذكروه في بعض الرواة من الوثاقة وجلالة القدر مع تصريحهم بتخليطه نظير ما ذكروه في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري صاحب نوادر الحكمة ، راجع ؛ الفهرست : ص۲۲۱ ـ ۲۲۲ الرقم ۶۲۲ ، ورجال النجاشي : ص۲۴۵ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227475
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي