77
اسباب اختلاف الحديث

فعلى الدارسين للأحاديث البحث والتحقيق فيها، وعرضها على الكتاب والسنّة القطعية والعقل الصريح وسائر الموازين الّتي تقيّم بها الأحاديث ؛ كي يحصلوا على الحجّة البيّنة، والمحجّة الواضحة من معارف وشرائع دينهم « فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَــلِغَةُ » في كلّ عهد، ولكلّ نسل . وإليك بعض أمثلته ؛

المثال الأوّل : اُسطورة داوود عليه السلام واُوريا

۴۶.۱ . عليّ بن إبراهيم بإسناده عن هشام، عن الصادق عليه السلام قال :إنّ داوود لمّا جعله اللّه عز و جلخليفة في الأرض وأنزل عليه الزبورت ، أوحى اللّه عز و جل إلى الجبال والطير أن يسبّحن معه ـ إلى أن قال : ـ فلمّا كان في اليوم الّذي وعده اللّه عز و جلـ يعني للابتلاء ـ اشتدّت عبادته، وخلا في محرابه، وحجب الناس عن نفسه، وهو في محرابه يصلّيفإذا بطائر قد وقع بين يديه ... فأعجبه جدّا، ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه ، فطار الطائر، فوقع على حائط بين داوود وبين اُوريا بن حنّان، وكان داوود قد بعث اُوريا في بعث فصعد داوود عليه السلام الحائطَ ليأخذ الطير ، وإذا امرأة اُوريا جالسة تغتسل ، فلمّا رأت ظلّ داوود نشرت شعرها ، وغطّت به بدنها فنظر إليها داوود، فافتتن بها، ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه ، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث أن يسيروا إلى موضع كيت وكيت ، يوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم ـ إلى أن قال ـ فكتب داوود إلى صاحبه الّذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوّك ، واُوريا بن حنّان بين يدي التابوت ، فقدّمه وقتل ، فلمّا قتل اُوريا دخل عليه الملكان ـ إلى أن ذكر قصّة توبته عليه السلام عن ذلك بتفصيل ثمّ قال : ـ وتزوّج داوود عليه السلام بإمرأة اُوريا بعد ذلك» ۱ .

۴۷.۲ . الصدوق بإسناده عن أبي الصلت الهروي، قال :سأل الرضا عليه السلام عليّ بن محمّد بن الجهم فقال : ما يقول من قِبَلكم في داوود عليه السلام ؟ فقال : يقولون : إنّ داوود عليه السلام كان في محرابه يصلّي فتصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع داوودصلاته ، قام ليأخذ الطير ، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في

1.تفسير القمّي : ج۲ ص۲۲۹ ـ ۲۳۰ ، بحار الأنوار: ج۱۴ ص۲۰ ـ ۲۳ ح۱ .


اسباب اختلاف الحديث
76

ومِن أكثرِ مظانّ التخليط روايات التأريخ والسير والقصص عموما، والّتي تخصّ الأنبياء والاُمم خصوصا ؛ وذلك أنّ مقام التحديث بالقصص والسير مستدعٍ للاستكمال والاستطراد، وهما يقتضيان التخليط والتلفيق .
مضافا إلى كثرة الضغط والتشديد على أهل البيت عليهم السلام ، وعلى الالتقاء بهم، وحصرهم، وحبسهم عن نشر علومهم ومعارفهم ، في الوقت الذي اُتيحت الفُرَص لعلماء أهل الكتاب ـ المتظاهرين بالإسلام أو المعتنقين له ؛ ليتزلّفوا إلى بِلاطات الحكم والسياسة ، ممّا يجعل لأهل الكتاب مكانة ومنزلة بين الناس فيلتجئون إليهم أو إلى كتبهم المحرَّفة ومعارفهم الخليطة ، لحلّ كثير من غوامض الكتاب العزيز وقصصه ، بل ولبسط ماجرى منها على لسان نبيّنا صلى الله عليه و آله . فترى المراجعين لهم من علماء العامّة خلطوا بين حديث الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وبين كلام علماء أهل الكتاب .
وقد ألقت هذه الرزيّة خيمتها على مدرسة إخواننا التابعين لمدرسة الخلفاء ، فكدّرت مناهل علومهم، وعيون أحاديثهم ، وأمّا أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام فقد انقطعوا إلى أئمّتهم، وتجنّبوا اتّخاذ أيّة وليجة دون أولئك الحججِ الهادية، والحافظين للسنّة المحمّدية ، غير أنّ مخالطة الشيعة لغيرهم في الرعيل الأوّل من جانب، ومراجعة كتبهم فيما بعد من جانب ثانٍ ، واستبصار كثير من علماء أهل السنّة بولاية آل البيت عليهم السلام من جانب ثالث ، كلّ ذلك أوقع لفيفا منهم في ناحية من هذه المشكلة ، مضافا إلى ذلك فإنّ أصحابنا الأخباريّين نقلوا كلّ ما وجدوا من غير تمييز بين الغثّ والسمين، فلم تبق أحاديثنا مصونة من عوارضها .
فحكى الكشّي عن عليّ بن محمّد القتيبي قال : قال أبو محمّد الفضل بن شاذان : «سأل أبي رضى الله عنهمحمّد بن أبي عمير، فقال له : إنّك قد لقيت مشايخ العامّة ، فكيف لم تسمع منهم؟ فقال : قد سمعت منهم ، غير أنّي رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة ، فاختلط عليهم حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة ، وحديث الخاصّة عن العامّة ، فكرهت أن يختلط عليّ، فتركت ذلك وأقبلت على هذا». ۱

1.اختيار معرفة الرجال : ج۲ ص۸۵۵ الرقم ۱۱۰۵ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227442
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي