79
اسباب اختلاف الحديث

العظيم من حكاية مثل هذه الإسرائيليات .
والحديث الثاني في جانب النقيض منه ، فيدلّ على ما يوافق الكتاب العزيز، وحكم العقل الحصيف، والسنّة المقطوع بها من أحاديث العترة الطاهرة عليهم السلام ۱ التي تنزّه الأنبياء عليهم السلام عن كلّ وصمة قبيحة، ومعصية صغيرة، فضلاً عن الكبيرة ؛ فلا يمكن الترديد في أنّ من أشهر مباني مدرسة أهل البيت عليهم السلام تنزيه الأنبياء ، فاختلاف الحديثين واضح .

علاج الاختلاف :

قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره ـ بعد نقل رواية عن الدرّ المنثور مشابهة للرواية الاُولى ـ : «القصّة مأخوذة من التوراة، غير أنّ الّتي فيها أشنع وأفظع، فعدّلت بعض التعديل» ۲ .
وقال أمين الإسلام الطبرسي قدس سره : «إنّ ذلك ممّا لا شبهة في فساده؛ فإنّ ذلك ممّا يقدح في العدالة، فكيف يجوز أن يكون أنبياء اللّه الّذين هم امناؤه على وحيه، وسفراؤه بينه وبين خلقه، بصفة من لا تقبل شهادته، وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه ، جلّ أنبياء اللّه عن ذلك» ۳ .
وأجاب عنه السيّد المرتضى بتفصيل ، فمن أراد فليراجع! وقال في طليعة جوابه: «أمّا

1.منها ما رواه الصدوق، بإسناده عن صالح بن عقبة، عن علقمة، قال : قال الصادق عليه السلام : يا علقمة ، إنّ رضى الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلَمون ممّا لم يسلم منه أنبياءُ اللّه ورسلُه وحججُ اللّه ؟! ألم ينسبوا يوسف إلى أنّه همَّ بالزناء ؟! ألم ينسبوا أيّوب إلى أنّه ابتلي بذنوبه ؟! ألم ينسبوا داوود إلى أنّه تبع الطير حتّى نظر إلى امرأة اوريا فهوِيها ، وأنّه قدّم زوجها أمام التابوت حتّى قتل ثمَّ تزوّج بها ؟! ألم ينسبوا موسى عليه السلام إلى أنّه عنّين، وآذوه حتّى برّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيها ... ؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى أنّها حملت بعيسى من رجل نجّار اسمه يوسف ؟ ! ألم ينسبوا نبيَّنا محمّد صلى الله عليه و آله إلى أنَّه شاعر مجنون ؟! ألم ينسبوه إلى أنّه هوي امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه ؟ ! ... فاستعينوا باللّه واصبروا، إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ؛ (الأمالي للصدوق : ص۱۶۴ ح۱۶۳ ، قصص الأنبياء للراوندي : ص۲۰۳ ح۲۶۵ ، بحار الأنوار : ج۷۰ ص۲ ح۴ ) ، ومنها: ما روي عن الإمام عليّ : لا اُوتى برجل يزعم أنّ داوود عليه السلام تزوّج امرأة اُوريا إلاّ جلدته حدّين ؛ حدّا للنبوّة، وحدّا للإسلام» . (مجمع البيان : ج۸ ص۷۳۶) .

2.الميزان في تفسير القرآن : ج۱۷ ص۱۹۸ .

3.مجمع البيان : ج۸ ص۷۳۶ .


اسباب اختلاف الحديث
78

طلبه، فسقط الطير في دار اُوريا بن حنّان، فاطّلع داوود عليه السلام في أثر الطير، فإذا بإمرأة اُوريا تغتسل، فلمّا نظر إليها هواها ، وكان قد أخرج اُوريا في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه أن قدّم اُوريا أمام التابوت، ۱ فقدّم، فظفر اُوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على داوود، فكتب إليه ثانية أن قدّمه أمام التابوت، فقدّم، فقتل اُوريا رحمه اللهوتزوّج داوود بإمرأته . قال : فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته ، وقال : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيّا من أنبياء اللّه عليهم السلام إلى التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير ثمّ بالفاحشة ثمّ بالقتل !
فقال : يابن رسول اللّه فما كانت خطيئته ؟ فقال عليه السلام : ويحك، إنّ داوود عليه السلام إنّما ظنّ أن ما خلق اللّه عز و جل خلقا هو أعلم منه ، فبعث اللّه عز و جلإليه الملكين ... فعجل داوود عليه السلام على المدّعى عليه ، فقال : « لَقَدْ ظَـلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ » ، ولم يسأل المدّعيَ البيّنة على ذلك، ولم يقبل على المدّعى عليه فيقولَ : ماتقول. فكان هذا خطيئة رسم حكم، لا ما ذهبتم إليه ؛ ألا تسمع اللّه عز و جليقول : « يَـدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ » ـ إلى آخر الآية ـ .
فقال: يابن رسول اللّه فما قصّته مع اُوريا؟ فقال الرضا عليه السلام : إنّ المرأة في أيّام داوود كانت إذا مات بعلها أو قتل لاتتزوج بعده أبدا ، وأوّل من أباح اللّه عز و جل له أن يتزوّج بامرأة قُتل بعلها كان داوود عليه السلام ، فتزوّج بامرأة اُوريا لمّا قتل وانقضت عدّتها منه.. . ۲

مورد الاختلاف :

التنافي بين الحديثين أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، فالحديث الأوّل ينسب إلى داوودالنبي عليه السلام ـ مع عصمته وحكمته وعلمه وفضله ـ معاصيَ كبيرة ؛ من النظر إلى أجنبية، وقتل النفس المؤمنة، والتمحّل للوصول إلى الشهوات الدنيّة، والتهاون بالصلاة ، والتأثّر بإغواء إبليس ، وارتكاب منافيات المروءة ؛ من اتّباع الطير ونحوه وما إلى ذلك . وإنّي لأستغفر اللّه

1.في بحار الأنوار : «الحرب » بدل «التابوت » .

2.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج۱ ص۱۹۳ ح۱ ، بحار الأنوار: ج۱۴ ص۲۳ ح۲ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227387
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي