وأمّا احتمال التقيّة فهو وإن كان أقوى من الثلاثة المتقدّمة ، ولهذا حملها عليه بعض أهل التحقيق في الحديث كالمجلسي ، حيث قال : «هذا الخبر محمول على التقية؛ لموافقته لما روته العامّة في ذلك» ۱ . وقال صاحب كنز الدقائق بعد نقل الحديث : «والرواية الّتي رواها علي بن إبراهيم واردة مورد التقيّة، ويحتمل ورودها مورد الإنكار لا الإخبار» ۲ .
ولا يخفى أنّ المراد بالورود مورد الإنكار ـ في ما نحن فيه ـ ينطبق على احتمال التقطيع ، وقد تقدّم وجه ضعف هذا الاحتمال .
وأمّا ما يضعِّف احتمال التقيّة فوجوه :
منها : أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا يتّقون المخالفين في مثل مفاد هذا الحديث .
ومنها : أنّ الحديث وإن كان موافقا لما عليه كثير من العامّة ولكنّه لم يكن في الأحكام، بل هو في القصص والتفسير ، فلو كان بيان الإمام عليه السلام مبنيّا على التقيّة لكان له أن يظهر موافقتهم في جواب موجز ، بل ومقرونا بشيء من الإيهام والمعاريض ـ كما هو ديدنهم في مثل ذلك ـ لا أن يكون بهذا الإطناب والتفصيل في شرح قصّة تعتبر من أنكر الأساطير وأشنع الأكاذيب ؛ فإنّ المحظورات تباح بقدر الضرورات . فلو لم يكن له عليه السلام بدّ من مجاراتهم على ماهم عليه فلماذا هذا التفصيل الذي يفزع الإمام الرضا عليه السلام من سماع مثله . فتبيّن ضعف احتمال التقيّة في الحديث المذكور كالاحتمالات الثلاثة الاُولى .
وبظهور ضعف هذه الوجوه يتقوّى احتمال التخليط جدّا . وممّا يؤيّده مخالطة بعض رواة الحديث الأوّل لعلماء العامّة ورواياتهم ، وموافقة مفاد هذا الحديث لروايات العامّة وإسرائيليّاتهم المأخوذة من علماء أهل الكتاب . ۳
فظهر قوّة احتمال كون الحديث من اختلاف علماء أهل الكتاب أو ممّا في كتبهم