81
اسباب اختلاف الحديث

وأمّا احتمال التقيّة فهو وإن كان أقوى من الثلاثة المتقدّمة ، ولهذا حملها عليه بعض أهل التحقيق في الحديث كالمجلسي ، حيث قال : «هذا الخبر محمول على التقية؛ لموافقته لما روته العامّة في ذلك» ۱ . وقال صاحب كنز الدقائق بعد نقل الحديث : «والرواية الّتي رواها علي بن إبراهيم واردة مورد التقيّة، ويحتمل ورودها مورد الإنكار لا الإخبار» ۲ .
ولا يخفى أنّ المراد بالورود مورد الإنكار ـ في ما نحن فيه ـ ينطبق على احتمال التقطيع ، وقد تقدّم وجه ضعف هذا الاحتمال .
وأمّا ما يضعِّف احتمال التقيّة فوجوه :
منها : أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا يتّقون المخالفين في مثل مفاد هذا الحديث .
ومنها : أنّ الحديث وإن كان موافقا لما عليه كثير من العامّة ولكنّه لم يكن في الأحكام، بل هو في القصص والتفسير ، فلو كان بيان الإمام عليه السلام مبنيّا على التقيّة لكان له أن يظهر موافقتهم في جواب موجز ، بل ومقرونا بشيء من الإيهام والمعاريض ـ كما هو ديدنهم في مثل ذلك ـ لا أن يكون بهذا الإطناب والتفصيل في شرح قصّة تعتبر من أنكر الأساطير وأشنع الأكاذيب ؛ فإنّ المحظورات تباح بقدر الضرورات . فلو لم يكن له عليه السلام بدّ من مجاراتهم على ماهم عليه فلماذا هذا التفصيل الذي يفزع الإمام الرضا عليه السلام من سماع مثله . فتبيّن ضعف احتمال التقيّة في الحديث المذكور كالاحتمالات الثلاثة الاُولى .
وبظهور ضعف هذه الوجوه يتقوّى احتمال التخليط جدّا . وممّا يؤيّده مخالطة بعض رواة الحديث الأوّل لعلماء العامّة ورواياتهم ، وموافقة مفاد هذا الحديث لروايات العامّة وإسرائيليّاتهم المأخوذة من علماء أهل الكتاب . ۳
فظهر قوّة احتمال كون الحديث من اختلاف علماء أهل الكتاب أو ممّا في كتبهم

1.بحار الأنوار: ج۱۴ ص۲۳ .

2.كنز الدقائق : ج۱۱ ص۲۲۲ .

3.راجع الدرّ المنثور : ج۶ ص۳۰۰ـ ۳۰۴ .


اسباب اختلاف الحديث
80

الرواية المدّعاة فساقطة مردودة؛ لتضمّنها خلاف ما يقتضيه العقول في الأنبياء عليهم السلام » ۱ .
وردّه الفخر الرازي بوجوه عديدة ، قال في بدايتها : «إنّ الّذي حكاه المفسّرون عن داوودوهو أنّه عشق امرأة اُوريا، فاحتال حتى قتل زوجها فتزوّجها، لا يليق بالأنبياء، بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكرا» ۲ .
والتدبّر في مفاد الحديث الأوّل وقياسه بالحديث الثاني وما في معناه من الأحاديث المتواترة يفيد أنّ السبب الموجب لهذا الاختلاف لا يخلو من أحد وجوه :
أ ـ كونه مجعولاً .
ب ـ كون الحديث مدسوسا في كتب أصحابنا ورواياتهم .
ج ـ صدوره عن تقيّة .
د ـ تقطيعه، كما لو ذكر الإمام عليه السلام هذه القضيّة تمهيدا لإنكاره وتفنيده ، فحذف الراوي ذيله .
ه ـ التخليط .
وبضعف الوجوه الأربعة الاُولى يتقوّى احتمال التخليط الّذي عرفت ممّا تقدّم أثره على الحديث . أمّا احتمال الوضع فيُقبل في حديث الضعفاء والمجاهيل، مع أنّ رواة هذا الحديث في غاية الوثاقة والجلالة .
وأمّا احتمال الدسّ فالمتأمّل في إسناد الحديث وصحّته، وفي أمر الدّس في عهد هشام بن سالم وما بعده، وفي نزعة الخطّابية الداسّين في الأحاديث العقائدية وقياسها بمفاد الحديث ، يرى احتمال الدسّ في مثل المورد ضعيفا .
وأمّا احتمال التقطيع فهو أيضا ضعيف بعد كون الرواية مذكورة بالتفصيل والإطنابِ المملّ ، مضافا إلى أنّ رواتها من الثقات الأثبات الّذين يستبعد في حقّهم مثل هذا التقطيع الظاهر الاختلال .

1.تنزيه الأنبياء : ص ۸۸ ـ ۹۲ .

2.عصمة الأنبياء : ص۷۹ ـ ۸۷ ، وراجع مفاتيح الغيب : ج۲۶ ص۱۸۸ ح۱۸۹ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 254395
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي