البابُ الرّابِعُ : من دعا عليهم رسول اللّه
المدخل
قد يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي من خلال ملاحظة أدعية الأنبياء وأئمّة المسلمين على المجرمين : لماذا أطلق أولياء اللّه الّذين هم رمز صفات اللّه ـ تعالى ـ وأسمائه الحسنى ومظهر رأفته ورحمته ، ألسنتهم بالدعاء على الأشخاص المجرمين؟ أو لم يكن من الأفضل أن يدعوا لهدايتهم وسعادتهم؟ أو لم يكن العقاب الإلهي يكفيهم كي يزيد أولياء اللّه ـ سبحانه ـ من عقوبتهم عبر الدعاء عليهم ولعنهم؟
للإجابة على هذا السؤال نقول : إنّ صفات اللّه وأسماءه الحسنى لا تقتصر على صفات الجمال ، فلله عز و جل صفات الجلال أيضا ، وكما أنّه أرحم الراحمين ، فإنّه قهّار وشديد العقاب أيضا ، والأشخاص الّذين يخرجون من دائرة الرحمة الإلهية الواسعة بسبب سوء استغلالهم للحرّية ، سوف يبتلون بغضبه وعقابه .
إنّ أنبياء اللّه وأولياءه ليسوا مَظهر صفات جماله فقط ، بل هم أيضا مجلى صفات جلاله عز و جل ، وعلى هذا فعندما يكون أرحم الراحمين فإنّه يلعن في نفس الوقت طائفة من المجرمين ويرغّب الآخرين أيضا في لعنهم ، فيقول :
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَ الْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُوْلَئِكَ