677
نهج الدعاء

زَرافَةُ ، ما ناقَةُ صالِحٍ عِندَ اللّهِ بِأَكرَمَ مِنّي ـ أو قالَ عليه السلام : بِأَعظَمَ قَدرا مِنّي ـ ! ولَم أزَل اُسائِلُهُ وأستَفيدُ مِنهُ واُحادِثُهُ إلى أن نَزَلَ المُتَوَكِّلُ مِنَ الرُّكوبِ ، وأمَرَ النّاسَ بِالاِنصِرافِ ، فَقُدِّمَت إلَيهِم دَوابُّهُم فَرَكِبوا إلى مَنازِلِهِم ، وقُدِّمَت بَغلَةٌ لَهُ عليه السلام فَرَكِبَها . فَرَكِبتُ مَعَهُ إلى دارِهِ ، فَنَزَلَ عليه السلام ووَدَّعتُهُ وَانصَرَفتُ إلى داري .
ولِوَلَدي مُؤَدِّبٍ يَتَشَيَّعُ مِن أهلِ العِلمِ وَالفَضلِ ، وكانَت لي عادَةٌ بِإِحضارِهِ عِندَ الطَّعامِ ، فَحَضَرَ عِندَ ذلِكَ ، وتَجارَينَا الحَديثَ وما جَرى مِن رُكوبِ المُتَوَكِّلِ وَالفَتحِ ، ومَشيِ الأَشرافِ وذَوِي الاِقتِدارِ بَينَ أيديهِما . وذَكَرتُ لَهُ ما شاهَدتُهُ مِن أبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وما سَمِعتُهُ مِن قَولِهِ عليه السلام : ما ناقَةُ صالِحٍ عِندَ اللّهِ ۱ بِأَعظَمَ قَدرا مِنّي ! وكانَ المُؤَدِّبُ يَأكُلُ مَعي ، فَرَفَعَ يَدَهُ وقالَ : بِاللّهِ إنَّكَ سَمِعتَ هذَا اللَّفظَ مِنهُ ؟!
فَقُلتُ لَهُ : وَاللّهِ سَمِعتُهُ يَقولُ .
فَقالَ لي : اِعلَم أنَّ المُتَوَكِّلَ لا يَبقى في مَملَكَتِهِ أكثَرَ مِن ثَلاثَةِ أيّامٍ ويَهلِكُ ، فَانظُر في أمرِكَ ، وأحرِز ما تُريدُ إحرازَهُ ، وتَأَهَّب لِأَمرِكَ كَي لا يَفجَأَكُم هَلاكُ هذَا الرَّجُلِ ، فَتَهلِكَ أموالُكُم بِحادِثَةٍ تَحدُثُ أو سَبَبٍ يَجري .
فَقُلتُ لَهُ : مِن أينَ لَكَ ؟
فَقالَ : أما قَرَأتَ القُرآنَ في قِصَّةِ صالِحٍ عليه السلام وَالنّاقَةِ ؟ وقَولِهِ تَعالى : «تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـثَةَ أَيَّامٍ ذَ لِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»۲ ؟! ولا يَجوزُ أن يَبطُلَ قَولُ الإِمامِ عليه السلام .
قالَ زَرافَةُ : فَوَاللّهِ ما جاءَ اليَومُ الثّالِثُ حَتّى هَجَمَ المُنتَصِرُ ومَعَهُ بغا ووَصيفٌ وَالأَتراكُ عَلَى المُتَوَكِّلِ ، فَقَتَلوهُ وقَطَّعوهُ وَالفَتحَ بنَ خاقانَ جَميعا قِطَعا ، حَتّى لَم يُعرَف أحَدُهُما مِنَ الآخَرِ ، وأزالَ اللّهُ نِعمَتَهُ ومَملَكَتَهُ .

1.في المصدر : «عندي» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.هود : ۶۵ .


نهج الدعاء
676

مِنّي ـ فَقالَ لي : قالَ لِيَ الأَميرُ مُنصَرَفَهُ مِن دارِ الخَليفَةِ : حَبَسَ أميرُ المُؤمِنينَ هذَا الَّذي يَقولونَ «ابنُ الرِّضَا» اليَومَ ، ودَفَعَهُ إلى عَلِيِّ بنِ كِركِرَ ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ :
أنَا أكرَمُ عَلَى اللّهِ مِن ناقَةِ صالِحٍ «تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـثَةَ أَيَّامٍ ذَ لِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»۱ ولَيسَ يُفصِحُ بِالآيَةِ ولا بِالكَلامِ ، أيُّ شَيءٍ هذا ؟
قالَ : قُلتُ : أعَزَّكَ اللّهُ تَوَعَّدَ ، انظُر ما يَكونُ بَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ .
فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ أطلَقَهُ وَاعتَذَرَ إلَيهِ ، فَلَمّا كانَ فِي اليَومِ الثّالِثِ وَثَبَ عَلَيهِ باغز ويغلون وتامش وجَماعَةٌ مَعَهُم فَقَتَلوهُ ، وأقعَدوا المُنتَصِرَ وَلَدَهُ خَليفَةً . ۲

۱۶۰۴.مُهج الدعوات عن زرافة حاجب المتوكّلـ وكان شيعيّا ـ: كانَ المُتَوَكِّلُ يُحظِي الفَتحَ بنَ خاقانَ عِندَهُ ، وقَرَّبَهُ مِنهُ دونَ النّاسِ جَميعا ، ودونَ وُلدِهِ وأهلِهِ ؛ أرادَ أن يُبَيِّنَ مَوضِعَهُ عِندَهُم ، فَأَمَرَ جَميعَ مَملَكَتِهِ مِنَ الأَشرافِ مِن أهلِهِ وغَيرِهِم وَالوُزَراءِ وَالاُمَراءِ وَالقُوّادِ وسائِرِ العَساكِرِ ووُجوهِ النّاسِ أن يَزَّيَّنوا بِأَحسَنِ التَّزيينِ ، ويَظهَروا في أفخَرِ عُدَدِهِم وذَخائِرِهِم ، ويَخرُجوا مُشاةً بَينَ يَدَيهِ ، وأن لا يَركَبَ أحَدٌ إلاّ هُوَ وَالفَتحُ بنُ خاقانَ خاصَّةً بِسُرَّ مَن رَأى . ومَشَى النّاسُ بَينَ أيديهِما عَلى مَراتِبِهِم رَجّالَةً ، وكانَ يَوما قائِظا شَديدَ الحَرِّ .
وأخرَجوا في جُملَةِ الأَشرافِ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ ، وشَقَّ عَلَيهِ عليه السلام ما لَقِيَهُ مِنَ الحَرِّ وَالزَّحمَةِ .
قالَ زَرافَةُ : فَأَقبَلتُ إلَيهِ عليه السلام وقُلتُ لَهُ : يا سَيِّدي ، يَعِزُّ وَاللّهِ عَلَيَّ ما تَلقى مِن هذِهِ الطُّغاةِ !! وما قَد تَكَلَّفتَهُ مِنَ المَشَقَّةِ !! وأخَذتُ بِيَدِهِ ، فَتَوَكَّأَ عليه السلام عَلَيَّ ، وقالَ عليه السلام : يا

1.هود : ۶۵ .

2.إعلام الورى : ج ۲ ص ۱۲۲ ، الثاقب في المناقب : ص ۵۳۶ ح ۴۷۳ عن الحسن بن محمّد بن جمهور ، المناقب لابن شهر آشوب : ج ۴ ص ۴۰۷ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ۵۰ ص ۱۸۹ ح ۱ .

  • نام منبع :
    نهج الدعاء
    المساعدون :
    افقی، رسول؛ سرخئی، احسان
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1386 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 247443
الصفحه من 787
طباعه  ارسل الي