157
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

بِقَومٍ نَسَبا لَيسَ لَهُم فَهُوَ مَلعونٌ» !
أوَلَستَ صاحِبَ الحَضرَمِيّينَ الَّذينَ كَتَبَ إلَيكَ ابنُ سُمَيَّةَ أنَّهُم عَلى دينِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَكَتَبتَ إلَيهِ : اُقتُل مَن كانَ عَلى دينِ عَلِيٍّ ورَأيِهِ ، فَقَتَلَهُم ومَثَّلَ بِهِم بِأَمرِكَ ، ودينُ عَلِيٍّ عليه السلام دينُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله الَّذي كانَ يَضرِبُ عَلَيهِ أباكَ ، وَالَّذِي انتِحالُكَ إيّاهُ أجلَسَكَ مَجلِسَكَ هذا ، ولَولا هُوَ كانَ أفضَلُ شَرَفِكَ تَجَشُّمَ الرَّحلَتَينِ في طَلَبِ الخُمورِ !
وقُلتَ : اُنظُر لِنَفسِكَ ودينِكَ وَالاُمَّةِ ، وَاتَّقِ شَقَّ عَصَا الاُلفَةِ وأن تَرُدَّ النّاسَ إلَى الفِتنَةِ !
فَلا أعلَمُ فِتنَةً عَلَى الاُمَّةِ أعظَمَ مِن وِلايَتِكَ عَلَيها ! ولا أعلَمُ نَظَرا لِنَفسي وديني أفضَلَ مِن جِهادِكَ ! فَإِن أفعَلهُ فَهُوَ قُربَةٌ إلى رَبّي ، وإن أترُكهُ فَذَنبٌ أستَغفِرُ اللّهَ مِنهُ في كَثيرٍ مِن تَقصيري ، وأسأَلُ اللّهَ تَوفيقي لِأَرشَدِ اُموري .
وأمّا كَيدُكَ إيّايَ ، فَلَيسَ يَكونُ عَلى أحَدٍ أضَرَّ مِنهُ عَلَيكَ ، كَفِعلِكَ بِهؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذينَ قَتَلتَهُم ومَثَّلتَ بِهِم بَعدَ الصُّلحِ مِن غَيرِ أن يَكونوا قاتَلوكَ ولا نَقَضوا عَهدَكَ ، إلاّ مَخافَةَ أمرٍ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبلَ أن يَفعَلوهُ ، أو ماتوا قَبلَ أن يُدرِكوهُ ، فَأَبشِر يا مُعاوِيَةُ بِالقِصاصِ ، وأيقِن بِالحِسابِ ، وَاعلَم أنَّ للّهِِ كِتابا لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً إلاّ أحصاها ، ولَيسَ اللّهُ بِناسٍ لَكَ أخذَكَ بِالظِّنَّةِ ، وقَتلَكَ أولِياءَهُ عَلَى الشُّبهَةِ وَالتُّهمَةِ ، وأخذَكَ النّاسَ بِالبَيعَةِ لاِبنِكَ ؛ غُلامٍ سَفيهٍ يَشرَبُ الشَّرابَ ويَلعَبُ بِالكِلابِ !
ولا أعلَمُكَ إلاّ خَسِرتَ نَفسَكَ ، وأوبَقتَ ۱ دينَكَ ، وأكَلتَ أمانَتَكَ ، وغَشَشتَ رَعِيَّتَكَ ، وتَبَوَّأتَ مَقعَدَكَ مِنَ النّارِ فَ «بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّــلِمِينَ»۲ . ۳

1.وَبَقَ : هَلَكَ ، ويتعدّى بالهمزة ، فيقال : أوبقته (المصباح المنير : ص ۶۴۶ «وبق») .

2.هود : ۴۴ .

3.أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۱۲۸ ، الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۱ ـ ۲۰۲ ؛ رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۵۲ ح ۹۸ و ۹۹ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۲۱۲ ح ۹ .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
156

فَكَتَبَ إلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام :
أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني كِتابُكَ تَذكُرُ أنَّهُ بَلَغَتكَ عَنّي اُمورٌ تَرغَبُ عَنها ، فَإِن كانَت حَقّا لَم تُقارَّني عَلَيها ، ولَن يَهدِيَ إلَى الحَسَناتِ ويُسَدِّدَ لَها إلاَّ اللّهُ ، فَأَمّا ما نُمِّيَ ۱ إلَيكَ فَإِنَّما رَقَّاهُ ۲ المَلاّقونَ ۳ المَشّاؤونَ بِالنَّمائِمِ ۴ ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَميعِ ۵ ، وما اُريدُ حَربا لَكَ ولا خِلافا عَلَيكَ ، وَايمُ اللّهِ لَقَد تَرَكتُ ذلِكَ وأنَا أخافُ اللّهَ في تَركِهِ ، وما أظُنُّ اللّهَ راضِيا عَنّي بِتَركِ مُحاكَمَتِكَ إلَيهِ ، ولا عاذِري دونَ الإِعذارِ إلَيهِ فيكَ وفي أولِيائِكَ القاسِطينَ المُلحِدينَ ، حِزبِ الظّالِمينَ وأولِياءِ الشَّياطينِ .
ألَستَ قاتِلَ حُجرِ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ المُصَلّينَ العابِدينَ ، الَّذينَ يُنكِرونَ الظُّلمَ ويَستَعظِمونَ البِدَعَ ، ولا يَخافونَ فِي اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ ـ ظُلما وعُدوانا ـ ، بَعدَ إعطائِهِمُ الأَمانَ بِالمَواثيقِ وَالأَيمانِ المُغَلَّظَةِ ؟
أوَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، الَّذي أبلَتهُ العِبادَةُ وصَفَّرَت لَونَهُ وأنحَلَت جِسمَهُ ؟!
أوَلَستَ المُدَّعِيَ زِيادَ بنَ سُمَيَّةَ المَولودَ عَلى فِراشِ عُبَيدٍ عَبدِ ثَقيفٍ ، وزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبيكَ ، وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ» ، فَتَرَكتَ سُنَّةَ رَسولِ اللّهٍ صلى الله عليه و آله وخالَفتَ أمرَهُ مُتَعَمِّدا ، وَاتَّبَعتَ هَواكَ مُكَذِّبا ، بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ، ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلَى العِراقَينِ فَقَطَعَ أيدِيَ المُسلِمينَ وسَمَلَ ۶ أعيُنَهُم ، وصَلَبَهُم عَلى جُذوعِ النَّخلِ ، كَأَنَّكَ لَستَ مِنَ الاُمَّةِ وكَأَنَّها لَيسَت مِنكَ ، وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن ألحَقَ

1.نَمَّيتُ الحديثَ تنميةً : إذا بلّغتَهُ على وجه النميمة والإفساد (الصحاح : ج ۶ ص ۲۵۱۶ «نما») .

2.رَقّى عليه كلاما : إذا رَفَعَ (الصحاح : ج ۶ ص ۲۳۶۱ «رقى») .

3.المَلَق : أن تُعطي باللسان ما ليس في القلب (القاموس المحيط : ج ۳ ص ۲۸۴ «ملق») .

4.النَّميمَةُ : هي نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشرّ (النهاية : ج ۵ ص ۱۲۰ «نمم») .

5.هكذا في المصدر ، وفي الإمامة والسياسة : «الجمع» بدل «الجميع» .

6.سَمَلْتُ عَيْنَهُ : فقأتُها بحديدة مُحْماة (المصباح المنير : ص ۲۸۹ «سملت») .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    المساعدون :
    الطباطبایی،محمود ، الطباطبایی، روح الله
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 209328
الصفحه من 598
طباعه  ارسل الي