175
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

وأنَّ كُلَّ شَيءٍ هالِكٌ إلاّ وَجهَ اللّهِ ، الَّذي خَلَقَ الأَرضَ بِقُدرَتِهِ ويَبعَثُ الخَلقَ فَيَعودونَ ، وهُوَ فَردٌ وَحدَهُ ، أبي خَيرٌ مِنّي ، واُمّي خَيرٌ مِنّي ، وأخي خَيرٌ مِنّي ، ولي ولَهُم ولِكُلِّ مُسلِمٍ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله اُسوَةٌ .
قالَ : فَعَزّاها بِهذا ونَحوِهِ ، وقالَ لَها : يا اُخَيَّةُ ، إنّي اُقسِمُ عَلَيكِ فَأَبِرّي قَسَمي ؛ لا تَشُقّي عَلَيَّ جَيبا ، ولا تَخمُشي عَلَيَّ وَجها ، ولا تَدعي عَلَيَّ بِالوَيلِ وَالثُّبورِ إذا أنَا هَلَكتُ .
قالَ : ثُمَّ جاءَ بِها حَتّى أجلَسَها عِندي . ۱

11 / 3

كَلامُهُ يَومَ عاشوراءَ

۲۷۴.تاريخ دمشق عن بشر بن طانحة عن رجل من همدان :خَطَبَنَا الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام غَداةَ اليَومِ الَّذِي استُشهِدَ فيهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
عِبادَ اللّهِ ، اتَّقُوا اللّهَ وكونوا مِنَ الدُّنيا عَلى حَذَرٍ ، فَإِنَّ الدُّنيا لَو بَقِيَت لأَِحَدٍ وبَقِيَ عَلَيها أحَدٌ ، كانَتِ الأَنبِياءُ أحَقَّ بِالبَقاءِ ، وأولى بِالرِّضا ، وأرضى بِالقَضاءِ ، غَيرَ أنَّ اللّهَ تَعالى خَلَقَ الدُّنيا لِلبَلاءِ ، وخَلَقَ أهلَها لِلفَناءِ ؛ فَجَديدُها بالٍ ، ونَعيمُها مُضمَحِلٌّ ، وسُرورُها مُكفَهِرٌّ ، وَالمَنزِلُ بُلغَةٌ ، وَالدّارُ قُلعَةٌ ۲ ، «وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»۳ وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ . ۴

1.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۲۰ عن الحارث بن كعب وأبي الضحاك ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۵۹ من دون إسنادٍ إلى عليّ بن الحسين عليه السلام ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۹۳ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۴۳ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۵۶ كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱ وراجع : تذكرة الخواصّ : ص ۲۴۹ .

2.مَنْزِلَ قُلْعَة : أي ليس بِمُسْتَوطَن (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۷۱ «قلع») .

3.البقرة : ۱۹۷ .

4.تاريخ دمشق : ج ۱۴ ص ۲۱۸ ، كفاية الطالب : ص ۴۲۹ وفيه «بشر بن طامحة» بدل «بشر بن طانحة» .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
174

بِأَصحابِهِ في خِباءٍ لَهُ وعِندَهُ حُوَيٌّ مَولى أبي ذَرٍّ الغِفارِيِّ وهُوَ يُعالِجُ سَيفَهُ ويُصلِحُهُ ، وأبي يَقولُ :

يا دَهرُ اُفٍّ لَكَ مِن خَليلِكَم لَكَ بِالإِشراقِ وَالأَصيلِ
مِن صاحِبٍ أو طالِبٍ قَتيلِوَالدَّهرُ لا يَقنَعُ بِالبَديلِ
وإنَّمَا الأَمرُ إلَى الجَليلِوكُلُّ حَيٍّ سالِكُ السَّبيلِ
قالَ : فَأَعادَها مَرَّتَينِ أو ثَلاثا حَتّى فَهِمتُها ، فَعَرَفتُ ما أرادَ ، فَخَنَقَتني عَبرَتي فَرَدَدتُ دَمعي ولَزِمتُ السُّكونَ ، فَعَلِمتُ أنَّ البَلاءَ قَد نَزَلَ ، فَأَمّا عَمَّتي فَإِنَّها سَمِعَت ما سَمِعتُ وهِيَ امرَأَةٌ وفِي النِّساءِ الرِّقَّةُ وَالجَزَعُ ، فَلَم تَملِك نَفسَها أن وَثَبَت تَجُرُّ ثَوبَها ، وإنَّها لَحاسِرَةٌ حَتَّى انتَهَت إلَيهِ ، فَقالَت : وَاثُكلاه ، لَيتَ المَوتَ أعدَمَنِي الحَياةَ ، اليَومَ ماتَت فاطِمَةُ اُمّي وعَلِيٌّ أبي وحَسَنٌ أخي ، يا خَليفَةَ الماضي وثِمالَ ۱ الباقي .
قالَ : فَنَظَرَ إلَيهَا الحُسَينُ عليه السلام فَقالَ : يا اُخَيَّةُ لا يُذهِبَنَّ حِلمَكِ الشَّيطانُ .
قالَت : بِأَبي أنتَ واُمّي يا أبا عَبدِ اللّهِ ، استَقتَلتَ !
نَفسي فِداكَ .
فَرَدَّ غُصَّتَهُ وتَرَقرَقَت عَيناهُ ، وقالَ : لَو تُرِكَ القَطا لَيلاً لَنامَ ۲ .
قالَت : يا وَيلَتى ! أفَتُغصَبُ نَفسُكَ اغتِصابا ؟ فَذلِكَ أقرَحُ لِقَلبي وأشَدُّ عَلى نَفسي . ولَطَمَت وَجهَها وأهوَت إلى جَيبِها وشَقَّتهُ ، وخَرَّت مَغشِيّا عَلَيها .
فَقامَ إلَيهَا الحُسَينُ عليه السلام فَصَبَّ عَلى وَجهِهَا الماءَ ، وقالَ لَها : يا اُخَيَّةُ اتَّقِي اللّهَ ، وتَعَزَّي بِعَزاءِ اللّهِ ، وَاعلَمي أنَّ أهلَ الأَرضِ يَموتونَ ، وأنَّ أهلَ السَّماءِ لا يَبقَونَ ،

1.الثِّمالُ : المَلجأ والغياث ، وقيل : المطعم في الشدّة (النهاية : ج ۱ ص ۲۲۲ «ثمل») .

2.هذا مثل ، والمراد منه هنا أنّهم لا يَدعوني في راحة ويلحقوني أينما كنت .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    المساعدون :
    الطباطبایی،محمود ، الطباطبایی، روح الله
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 203928
الصفحه من 598
طباعه  ارسل الي