295
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

مَن سَأَلَهُ ، ويُفَرِّجُ [بِهِ] ۱ الهَمَّ ، ويَكشِفُ بِهِ الكَربَ ، ويُذهِبُ بِهِ الغَمَّ ، ويُبرِئُ بِهِ السُّقمَ ، ويَجبُرُ بِهِ الكَسيرَ ، ويُغني بِهِ الفَقيرَ ، ويَقضي بِهِ الدَّينَ ، ويَرُدُّ بِهِ العَينَ ، ويَغفِرُ بِهِ الذُّنوبَ ، ويَستُرُ بِهِ العُيوبَ ، ويُؤمِنُ بِهِ كُلَّ خائِفٍ مِن شَيطانٍ مَريدٍ ، وجَبّارٍ عَنيدٍ ! ولَو دَعا بِهِ طائِعٌ للّهِِ عَلى جَبَلٍ لَزالَ مِن مَكانِهِ ، أو عَلى مَيِّتٍ لَأَحياهُ اللّهُ بَعدَ مَوتِهِ ، ولَو دَعا بِهِ عَلَى الماءِ لَمَشى عَلَيهِ بَعدَ أن لا يَدخُلَهُ العُجبُ .
فَاتَّقِ اللّهَ أيُّهَا الرَّجُلُ ، فَقَد أدرَكَتنِي الرَّحمَةُ لَكَ ، وَليَعلَمِ اللّهُ مِنكَ صِدقَ النِّيَّةِ أنَّكَ لا تَدعو بِهِ في مَعصِيَتِهِ ، ولا تُفيدُهُ إلاَّ الثِّقَةَ في دينِكَ ، فَإِن أخلَصتَ النِّيَّةَ استَجابَ اللّهُ لَكَ ، ورَأَيتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله في مَنامِكَ ، يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ وَالإِجابَةِ .
قالَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام : فَكانَ سُروري بِفائِدَةِ الدُّعاءِ أشَدَّ مِن سُرورِ الرَّجُلِ بِعافِيَتِهِ وما نَزَلَ بِهِ ؛ لِأَنَّني لَم أكُن سَمِعتُهُ مِنهُ ، ولا عَرَفتُ هذَا الدُّعاءَ قَبلَ ذلِكَ .
ثُمَّ قالَ : اِيتِني بِدَواةٍ وبَياضٍ ، وَاكتُب ما اُمليهِ عَلَيكَ . فَفَعَلتُ ، وهُوَ :
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِاسمِكَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ ، يا حَيُّ يا قَيّومُ ، يا حَيُّ لا إلهَ إلاّ أنتَ ، يا مَن لا يَعلَمُ ما هُوَ ولا أينَ هُوَ ولا حَيثُ هُوَ ولا كَيفَ هُوَ إلاّ هُوَ ، يا ذَا المُلكِ وَالمَلَكوتِ ، يا ذَا العِزَّةِ وَالجَبَروتِ ، يا مَلِكُ يا قُدّوسُ ، يا سَلامُ يا مُؤمِنُ يا مُهَيمِنُ ، يا عَزيزُ يا جَبّارُ يا مُتَكَبِّرُ ، يا خالِقُ يا بارِئُ يا مُصَوِّرُ ، يا مُفيدُ ، يا وَدودُ يا مَحمودُ يا مَعبودُ ، يا بَعيدُ يا قَريبُ يا مُجيبُ ، يا رَقيبُ يا حَسيبُ ، يا بَديعُ يا رَفيعُ ، يا مَنيعُ يا سَميعُ ، يا عَليمُ يا حَكيمُ ، يا كَريمُ يا قائِمُ يا دائِمُ يا عالِمُ يا قَديمُ ۲ .

1.الزيادة من بحار الأنوار .

2.في بحار الأنوار : « . . . يا عليم يا حكيم يا كريم يا حليم يا قديم» .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
294

وأصرِفَها فيما كُنتُ عَلَيهِ ، فَمانَعَني عَن أخذِها ، فَأَوجَعتُهُ ضَربا ولَوَيتُ يَدَهُ ، وأخَذتُها ومَضَيتُ .
فَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى رُكبَتَيهِ يَرومُ النُّهوضَ مِن مَكانِهِ ذلِكَ ، فَلَم يُطِق يُحَرِّكُها مِن شِدَّةِ الوَجَعِ وَالأَلَمِ ، فَأَنشَأَ يَقولُ :

جَرَت رَحِمٌ بَيني وبَينَ مُنازِلٍسَواءً كَما يَستَنزِلُ القَطرَ طالِبُه
ورَبَّيتُ حَتّى صارَ جَلدا شَمَردَلاً۱إذا قامَ ساوى غارِبَ۲الفَحلِ غارِبُه
وقَد كُنتُ اُوتيهِ مِنَ الزّادِ فِي الصِّباإذا جاعَ مِنهُ صَفوُهُ وأطايِبُه
فَلَمَّا استَوى في عُنفُوانِ شَبابِهِوأصبَحَ كَالرُّمحِ الرُّدَينِيِّ۳خاطِبُه
تَهَضَّمَني مالي كَذا ولَوى يَديلَوى يَدَهُ اللّهُ الَّذي هُوَ غالِبُه
ثُمَّ حَلَفَ بِاللّهِ لَيَقدَمَنَّ إلى بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، فَيَستَعدِي اللّهَ عَلَيَّ .
قالَ : فَصامَ أسابيعَ ، وصَلّى رَكَعاتٍ ، ودَعا ، وخَرَجَ مُتَوَجِّها عَلى عَيرانَةٍ ۴ ، يَقطَعُ بِالسَّيرِ عَرضَ الفَلاةِ ، ويَطوِي الأَودِيَةَ ويَعلُو الجِبالَ ، حَتّى قَدِمَ مَكَّةَ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ ، فَنَزَلَ عَن راحِلَتِهِ ، وأقبَلَ إلى بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، فَسَعى وطافَ بِهِ ، وتَعَلَّقَ بِأَستارِهِ ، وَابتَهَلَ ، وأنشَأَ يَقولُ :
يا مَن إلَيهِ أتَى الحُجّاجُ بِالجَهَدِفَوقَ المَهاوي۵مِنَ اقصى غايَةِ البُعدِ
إنّي أتَيتُكَ يا مَن لا يُخَيِّبُ مَنيَدعوهُ مُبتَهِلاً بِالواحِدِ الصَّمَدِ
هذا مُنازِلُ لا يَرتاعُ مِن عققيفَخُذ بِحَقّي يا جَبّارُ مِن وَلَدي
حَتّى تُشِلَّ بِعَونٍ مِنكَ جانِبَهُيا مَن تَقَدَّسَ لَم يولَد ولَم يَلِدِ
قالَ : فَوَ الَّذي سَمَكَ ۶ السَّماءَ ، وأنبَعَ الماءَ ، مَا استَتَمَّ دُعاءَهُ حَتّى نَزَلَ بي ما تَرى ـ ثُمَّ كَشَفَ عَن يَمينِهِ ، فَإِذا بِجانِبِهِ قَد شَلَّ ـ فَأَنَا مُنذُ ثَلاثِ سِنينَ أطلُبُ إلَيهِ أن يَدعُوَ لي ۷ فِي المَوضِعِ الَّذي دَعا بِهِ عَلَيَّ ، فَلَم يُجِبني ، حَتّى إذا كانَ العامُ ، أنعَمَ عَلَيَّ فَخَرَجتُ [بِهِ] ۸ عَلى ناقَةٍ عُشَراءَ ۹ اُجِدُّ السَّيرَ حَثيثا رَجاءَ العافِيَةِ ، حَتّى إذا كُنّا عَلَى الأَراكِ ۱۰ ، وحَطمَةِ ۱۱ وادِي السِّياكِ ۱۲ نَفَرَ طائِرٌ فِي اللَّيلِ ، فَنَفَرَت مِنهُ النّاقَةُ الَّتي كانَ عَلَيها ، فَأَلقَتهُ إلى قَرارِ الوادي ، وَارفَضَّ بَينَ الحَجَرَينِ ، فَقَبَرتُهُ هُناكَ ، وأعظَمُ مِن ذلِكَ أنّي لا اُعرَفُ إلاَّ «المَأخوذَ بِدَعوَةِ أبيهِ» !
فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أتاكَ الغَوثُ ، ألا اُعَلِّمُكَ دُعاءً عَلَّمَنيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفيهِ اسمُ اللّهِ الأَكبَرُ الأَعظَمُ ، العَزيزُ الأَكرَمُ ، الَّذي يُجيبُ بِهِ مَن دَعاهُ ، ويُعطي بِهِ

1.الزيادة من بحار الأنوار .

2.الشَّمَردَل : السريع من الإبل وغيره (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۴۱ «شمردل») .

3.الغارِب : ما بين العُنق والسَّنام ، وهو الذي يُلقى عليه خِطام البعير إذا اُرسِل (المصباح المنير : ص ۴۴۴ «غرب») .

4.الرُّمْحُ الرُّديني : زعموا أنّه منسوب إلى امرأة السمهريّ ، تسمّى ردينة ، وكانا يقوّمان القَنا بِخِطِّ هَجَر (الصحاح : ج ۵ ص ۲۱۲۲ «ردن») .

5.العَيرانَة : الناقة تشبّه بالعَيْر [أي الحمار الوحشي ]في سرعتها ونشاطها (الصحاح : ج ۲ ص ۷۶۴ «عير») .

6.المَهواة : موضع في الهواء مشرف ما دونه من جبلٍ وغيره (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۳۷۰ «هوا») . وفي بحار الأنوار : «المِهاد» .

7.سمك الشيء يسمكه : إذا رفعه (النهاية : ج ۲ ص ۴۰۲ «سمك») .

8.في المصدر : «يدعوني» ، والتصويب من بحار الأنوار .

9.العُشَراء من النُّوق : التي مضى لحملها عشرة أشهر بعد طُروق الفَحل . وأحسن ما تكون الإبل وأنفَسُها عند أهلها إذا كانت عِشارا (تاج العروس : ج ۷ ص ۲۲۵ و ۲۲۶ «عشر») .

10.الأراك : هو وادي الأراك قرب مكّة (معجم البلدان : ج ۱ ص ۱۳۵) .

11.حَطمُ الجَبَلِ : الموضع الّذي حُطِمَ منهُ ، أي ثُلِمَ فبقي منقطعا (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۱۳۸ «حطم») .

12.في المصدر : «وحطته وادي السجال» ، والتصويب من بحار الأنوار .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    المساعدون :
    الطباطبایی،محمود ، الطباطبایی، روح الله
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 250238
الصفحه من 598
طباعه  ارسل الي