463
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

عَلِّموا أولادَكُم شِعرَ العَبدِيِ ، فَإِنَّهُ عَلى دينِ اللّهِ.۱
إنّ التأمّل في سيرة الرسول صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام يكشف بأنّهم كانوا يستخدمون فنّ الشعر لأغراض تربوية وسياسية وعسكرية ، لكن هل كانوا أنفسهم ينظّمون الشعر أيضاً؟ وهل الأشعار المنسوبة إليهم صادرة عنهم حقّاً ؟ إنّ هذا الأمر يحتاج إلى مناقشة .

عدم تنافي نظم الشعر ومنزلة الإمامة

إنّ أوّل شبهة يمكن طرحها هي أنّ القرآن لا يعتبر نظم الشعر لائقاً بمقام النبوّة : «وَ مَا عَلَّمْنَـهُ الشِّعْرَ وَ مَا يَنـبَغِى لَهُ»۲ . وبما أنّ إمامة أهل البيت عليهم السلام استمرار لنبوّة النبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله ، فلا يليق نظم الشعر بمقام الإمامة أيضاً .
يمكننا الإجابة على هذا الإشكال : بأنّ الشعر ـ كما مرّ ذكره ـ على صنفين : الشعر الممزوج بخيالات الشاعر الكاذبة حتّى يستلذّ به المستمع ويستأنس به ، وقد قيل عنه «أحسن الشعر أكذبه» ۳ ، وهو ما لا يليق بمقام النبوّة والإمامة ، بل حتّى بالمؤمن النزيه .
أمّا الصنف الآخر من الشعر ، والّذي سمّاه الرسول صلى الله عليه و آله بالحكمة ، فلا يتعارض مبدئياً مع مقام النبوّة أو الإمامة .
نعم! عدم نظم الشعر من قبل الرسول صلى الله عليه و آله أمر مطلوب ، فلو نظم الشعر ، صدّق الناس إشاعة المشركين بأنّ القرآن شعر . بعبارة أُخرى ، نظم الشعر كالكتابة لا يتنافى مع مقام الإمامة، كما كان الأئمّة يكتبون في حين لم يكتب الرسول؛لردع

1.رجال الكشّي : ج ۲ ص ۷۰۴ ح ۷۴۸ عن سماعة .

2.يس : ۶۹

3.ربّما قالوا : «أحسن الشعر أكذبه» ، كقول النابغة : «يقد السلوقي المضاعف نسجه ــ ويوقدن بالصفاح نار الحباحب» (إعجاز القرآن للباقلاّني : ص ۱۱۴) .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
462

«إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ وَ ذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُـلِمُواْ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» .۱
ولأجل ألاّ يُجحف حقّ الشعراء ، يميّز اللّه سبحانه وتعالى هؤلاء عن غيرهم بذكر هذا الاستثناء ، ويعرفهم للمجتمع المسلم بأربعة خصائص :
1 . الإيمان .
2 . العمل الصالح .
3 . الإكثار من ذكر اللّه تعالى .
4 . التصدي للظلم واستخدام الشعر في ردعه .
وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه و آله هؤلاء الشعراء مجاهدين في سبيل اللّه . فحينما نزلت الآية 79 من سورة الشعراء ، أتى حَسّان بن ثابت وعدد آخر من الشعراء المسلمين الرسول صلى الله عليه و آله وسألوه عن قول الشعر ، فأجابهم النبيّ صلى الله عليه و آله :
إنّ المُؤمِنَ يُجاهِدُ بِسَيفِهِ ولِسانِهِ ، والّذي نَفسي بيدِهِ لَكأنَّ ما تَرمونَهُم بِهِ يَنضِحُ النَّبلَ .۲
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه و آله يؤكّد استخدام فنّ الشعر في ساحات الجهاد ، وكان يوصي بتسخير هذا الفنّ لنشر الحكمة في المجتمع وترسيخها :
إنّ مِنَ الشِّعرِ لَحِكمَةً .۳
كما أوصى الإمام الصادق عليه السلام أصحابه :

1.الشعراء : ۲۲۷ .

2.مسند ابن حنبل : ج ۱۰ ص ۳۳۵ ح ۲۷۲۴۴ عن كعب بن مالك .

3.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۳۷۹ ح ۵۸۰۵ ؛ سنن ابن ماجة : ج ۲ ص ۱۲۳۵ ح ۳۷۵۵ عن اُبيّ بن كعب .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    المساعدون :
    الطباطبایی،محمود ، الطباطبایی، روح الله
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 209239
الصفحه من 598
طباعه  ارسل الي