11
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادة العراق ، يتحلّى ـ مع محتده الشريف ، ومفخره المنيف ـ بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، وحظ من جميع المحاسن وافر » ۱ .
والسيد الرضي كان محدّثاً وأديباً ، وشاعراً ، وهو صاحب المؤلفات التي بلغت ثمانية عشر ، وقد بلغ بعضها العشرة أجزاء ، ومن أهمّها : (المجازات القرآنية) و (مجازات الآثار النبوية) و (نهج البلاغة) ، هذا الثلاثي الرائع الذي ألّفه من كلام اللّه تعالى ، وكلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وكلام الوصي عليه السلام ، كان مثار إعجاب العلماء والأُدباء ، ولكن نهج البلاغة كان الأشهر والأفضل والأكثر تداولاً ، ولذلك نال من الشروح والتعليق قديماً وحديثاً ما لم ينل غيره من بقية الكتب البشرية ، حتى قاربت المئتي شرحاً إلى يوم الناس هذا ، ولعل شهرة الرضي جاءت بسبب جمعه لهذا الكتاب ، الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلماء والأُدباء والمحدثين .
وقد صرّح السيد الرضي بسبب تسمية ما جمعه بـ (نهج البلاغة) فقال : « ورأيت من بعدُ تسمية هذا الكتاب بـ (نهج البلاغة) ، إذ كان يفتح للناظر فيه أبواباً ، ويقرّب عليه طلابها . فيه حاجة العالم والمتعلّم ، وبغية البليغ والزاهد ، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل ، وتنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن شَبَه الخلْق ، ما هو بِلال كلّ غُلّة ، وشفاء كلّ عِلّة ، وجِلاء كلّ شبهة ... » ۲ .

طريقته في الجمع :

كان للسيد الرضي رحمه الله أُسلوبه الخاص في جمع (نهج البلاغة) وتدوينه ، تحدّث عنها في مقدمة الكتاب ، نعرض لها باختصار ضمن نقاط :
1 ـ قام رحمه الله بجمع ما تفرّق من كلام الإمام عليه السلام من مصادره الموثوقة ، ودوّنه في أوراق متفرّقة ليستدرك ما يشذّ عنه مستقبلاً ، ثم عمد إلى اختيار محاسن كلامه ، فحذف ما شاء مما اجتمع عنده ، وانتقى ما شاء وفق ذوقه وسليقته ، ومبناه البلاغي ، ومنهجه في النظم .

1.يتيمة الدهر في محاسن العصر ، الثعالبي ۳/۱۵۵ ، تحقيق د . مفيد محمد قميحة ، الطبعة الأُولى ۱۴۰۳ ه / ۱۹۸۳ م ، دار الكتب العلمية ـ بيروت .

2.نهج البلاغة ، مقدمة الشريف الرضي .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
10

شرح ابن أبي الحديد ، وأخذه منه حرفياً دون أن يضيف منه شيئاً ـ قائلاً : « تصفحت بعض صفحاته ، وتأملت جملاً من عباراته من مواضع مختلفات ، ومواضيع متفرّقات ، فكان يُخيّل لي في كلّ مقامٍ أنّ حُروباً شبت ، وغارات شُنّت ، وأنّ للبلاغة دولةً وللفصاحة صولة ، وأنّ للأوهام عرامة وللريب دعارة ، وأن جحافل وكتائب الذرابة في عقود النظام ، وصفوف الانتظام تنافح بالصفيح الأبلج ، والقويم الأملج ، وتمتلج المهج برواضع الحجج ، فتفل من دعارة الوساوس ، وتصيب مقاتل الخوانس ، فما أنا إلاّ والحق منتصر ، والباطل منكسر ، ومرَجُ الشك في خمود ، وهرج الريب في ركود ، وأنّ مدبر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حاملُ لوائها الغالب ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، بل كنت كلما انتقلت من موضع منه إلى موضع ، أحس بتغيّر المشاهد ، وتحوّل المعاهد ، فتارة كنت أجدني في عالم يعمُره من المعاني أرواح عالية ، في حلل من العبارات الزاهية ، تطوف على النفوس الزاكية وتدنو من القلوب الصافية ، توحي إليها رشادَها وتقوم منها مرادُها .
وطوراً كانت تنكشف لي الجمل عن وجوه باسره وأنياب كاشرة وأرواح في أشباح النمور ، ومخالب النسور قد تحفزت للوِثَاب ثمّ انقضت للاختلاب ... وأحياناً كنت أشهد أنّ عقلاً نورانياً لا يشبه خلقاً جسدانياً ، فصل عن الموكب الإلهي واتصل بالروح الإنساني ، فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى ونمي به إلى مشهد النور الأجلى » ۱ .

جامع النهج الشريف :

هذا النتاج الجليل تصدّى لجمعه وتبويبه السيد الشريف النقيب أبو الحسن محمّد بن الحسين الرضي الموسوي (539 ـ 406 ه) ، وأطلق عليه اسم (نهج البلاغة) ؛ ليشير بذلك إلى أنّ هذا النتاج هو المثال لبلاغه التعبير بعد كتاب اللّه العزيز ، وقد ظهر في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلاميّة والعربية ، وظهر فيه أشهر النوابغ في مختلف العلوم الانسانية والآداب . والسيد الشريف الرضي هو مفخرة العترة ، الذي جمع إلى شرف النسب النبوي شرف العلم والحلم والأدب ما تتباهى به العصور . يقول عنه الثعالبي (429 ه) : « وهو اليوم

1.شرح نهج البلاغة ، محمد عبده ، المقدمة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95525
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي