123
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

18

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتياتَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ في حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ؛ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَوْلِهِ ، ثُمَّ يَجْتَمعُ الْقُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ الاْءِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ ، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعا ـ وَإِلـهُهُمْ واحِدٌ ! وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ ، وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ !
أَفَأَمَرَهُمُ اللّهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ ؟! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ ! أَمْ أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ دِينا نَاقِصا فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ ؟ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ ، فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى ؟ أَمْ أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ دِينا تَامَّا فَقَصَّرَ الرَّسُولُ عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ ؟ وَاللّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»۱ وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيءٍ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضا ، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفا كَثِيرا»۲ . وَإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ ، لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلاَ تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ ۳ .

الشّرْحُ :

الأنيق : المعجِب ، وآنقني الشيء ، أي أعجبني ؛ يقول : لاينبغي أن يُحمَل جميعُ ما في الكتاب العزيز على ظاهره ؛ فكم من ظاهرٍ فيه غيرُ مرادٍ ، بل المراد به أمر آخر باطن ؛

1.سورة الأنعام ۳۸ .

2.سورة النساء ۸۲ .

3.الفُتيا : الفتوى . استقضاهم : طلبهم أو اختارهم للقضاء . يصوّب : يحكم بصوابها وهي صحّتها . فرّطنا : من فرّط في الشيء قصّر وأظهر العجز فيه . التبيان : التوضيح . الأنيق : المعجِب ، الحسن . تنقضي : تفنى وتنعدم .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
122

« إلى اللّه » ويكون قوله : « من معشر » من تمام صفات ذلك الحاكم ، أي هو من معشرٍ صفتهم كذا .
و « أبْوَر » أفعل ، من البوْر : الفاسد ، بارَ الشيء أي فسد ، وبارت السلعة أي كسدت ولم تنفُق ، وهو المراد هاهنا ، وأصله الفساد أيضا .
إن قيل : بيِّنوا الفرْقَ بين الرَّجُلين اللذيْن أحدُهما وكَلَه اللّه إلى نفسه ، والآخر رجل قمش جهلاً ؛ فإنّهما في الظاهر واحد .
قيل : أمّا الرجل الأوّل ، فهو الضالّ في أُصول العقائد ، كالمشبِّه والمجبّر ونحوهما ؛ ألا تراه كيف قال : « مشغوف بكلام بدعة ، ودعاء ضلالة » ، وهذا يُشعر بما قلناه ، من أنّ مرادَه به المتكلّم في أُصول الدين ، وهو ضالّ عنِ الحقّ ؛ ولهذا قال : إنّه فتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هُدَى مَنْ قبله ، مضلّ لمن يجيء بعده . وأما الرجل الثاني ، فهو المتفقة في فروع الشَّرْعيات ، وليس بأهل لذلك ، كفقهاء السوء ، ألا تراه كيف يقول : جلس بين الناس قاضياً!
وقال أيضا : « تصرُخ من جور قضائه الدماء ، وتَعِجّ منه المواريث » .
فإن قيل : ما معنى قوله في الرَّجُل الأول : « رَهْن بخطيئته » ؟ قيل : لأنّه إن كان ضالاًّ في دعوته مُضلاًّ لمن اتّبعه ، فقد حمل خطاياه وخطايا غيره ، فهو رَهْن بالخطيئتين معاً ، وهذا مثل قوله تعالى : « وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ »۱ .
وإن قيل : ما معنى قوله « عمٍ بما في عقد الهدنة » ؟ قيل : الهدنة أصلُها في اللغة السّكون ، يقال : هَدَنَ إذا سكن ، ومعنى الكلام أنَّه لا يعرف ما في الفتنة من الشرّ ، ولا ما في السكون والمصالحة من الخير .
ويروى « بما في غيب الهدنة » ، أي في طيِّها وفي ضمنها . ويروى « غارّ في أغباش الفتنة » ، أي غافل ذو غِرّة . وروي « من جمعٍ » بالتنوين فتكون « ما » على هذا اسماً موصولاً ، وهي وصلتها في موضع جَرٍّ لأنها صفة « جمع » ، ومن لم يرو التنوين في « جمع » حذف الموصوف ، تقديره : مِنْ جمع شيء ما قلّ منه خيرٌ مما كَثُر ، فتكون « ما » مصدرية ، وتقدير الكلام : قلّتُه خيرٌ من كثرته ، ويكون موضع ذلك جراً أيضا بالصفة .

1.سورة العنكبوت ۱۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95481
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي