167
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ذلك في خطبة الكتاب .
أمّا الفصل الأول : فهو الكلام في الشُّبْهة ، ولماذا سمِّيت شبهة ؟ قال عليه السلام : « لأنّها تُشْبِه الحقّ » ، وهذا هو محضُ ما يقوله المتكلّمون ؛ ولهذا يسمّون ما يحتجّ به أهلُ الحقّ دليلاً ، ويسمون ما يحتجّ به أهل الباطل شُبهة .
قال : « فأمّا أولياءُ اللّه فضياؤُهم في حلّ الشبهة اليقين ، ودليلُهم سَمْتُ الهُدى » ، وهذا حقّ ؛ لأنَّ من اعتبر مقدّمات الشُّبْهَة ، وراعى الأُمور اليقينيّة ، وطلَب المقدِّمات المعلومة قطعا ، انحلّت الشُّبْهة ، وظهر له فسادها مِنْ أين هو ؟ ثم قال : « وأمّا أعداءُ اللّه فدعاؤهم الضّلال ، ودليلهم العَمَى » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ المبطِل ينظر في الشُّبْهة ، لا نظر مَنْ راعى الأُمور اليقينية ، ويحلّل المقدمات إلى القضايا المعلومة ، بل يَغْلِبُ عليه حبّ المذاهب ، وعصبية أسلافه ، وإيثار نصر مَنْ قد ألزم بنصرته ، فذاك هو العمى والضلال ، اللّذان أشار أمير المؤمنين إليهما ، فلا تنحلّ الشبهة له ، وتزداد عقيدته فساداً .
الفصل الثاني : قوله عليه السلام : « فما ينجُو من الموت مَن خافه ، ولا يعطَى البقاء مَنْ أحبّه » ، هذا كلام أجنبيّ عَمّا تقدم ، وهو مأخوذ مِن قوله تعالى : « قُلْ لَو كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ »۱ ، وقوله : «أيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الموتُ»۲ ، وقوله : « فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ »۳ .

39

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاممُنِيتُ بِمَنْ لاَ يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلاَ يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ ، لاَ أَبَا لَكُمْ ! مَا تَنْتَظِرُونَ

1.سورة آل عمران ۱۵۴ .

2.سورة النساء ۷۸ .

3.سورة الأعراف ۳۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
166

علي ، يدور حيثما دار » ، وقال له غير مرة : « حربك حربي وسِلْمك سِلْمي » . وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي وبه أقول ۱ .

38

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلاموَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ ؛ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ ، وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى ؛ وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ ، وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى ، فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ ، وَلاَ يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ .

الشّرْحُ :

هذان فصلان ، أحدهما غير ملتئم مع الآخر ، بل مبتور عنه ؛ وإنما الرضيّ رحمه اللّه تعالى كان يلتقط الكلام التقاطا ، ومراده أن يأتيَ بفصيح كلامِه عليه السلام ، وما يجري مجرَى الخطابة والكتابة ، فلهذا يقعُ في الفصل الواحد الكلامُ الذي لا يناسِبُ بعضُه بعضا ؛ وقد قال الرضيّ

1.أقول : إن ابن أبي الحديد إن كان صادقا فيما يدعيه من أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أمره بترك المنازعة ، وأمره بالبيعة للقوم ، وأنّ تقدمهم عليه لمصلحة ترجع إلى الدين . فما يقول فيما تواتر عنه عليه السلام واشتهر ، وصحّ عند ابن أبي الحديد نفسه من امتناعه عليه السلام من البيعة ستة أشهر حتى ماتت فاطمة ، ومن استصراخه بالأحياء والأموات طلبا لنصرته ، ومخاطبته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ، وقوله عليه السلام : « لو كان لي أربعون ذوو عزم ...» ، وقوله عليه السلام : « فطفقت ارتئي بين أن أُصول بيد جذّاء ... » ، وقوله عليه السلام : « ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيّه حتى يوم الناس هذا » ، وقوله عليه السلام : « ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا عليّ ... » ؟ فهل هذه الأقوال والأفعال توافق ما ذكره ابن أبي الحديد من تركه عليه السلام للمنازعة بعهد عهده رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وبالمبايعة للقوم وإعلامه بأنّ المصلحة في تقدّم غيره عليه ، وإلاّ فهو يخالف عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموعصيان أمره ؟ فعلي عليه السلام لم يمسك ولم يغضّ ، وتركه عليه السلام للقتال لا يدل على الرضا . بل لعذر ، وقد صرّح به في غير موطن . وقد مرّ ذكر بعضها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95460
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي