كَيْفَ الْمَرْجِعُ .
وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا في زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْسا ، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلى حُسْنِ الْحِيلَةِ .
مَا لَهُمْ ! قَاتَلَهُمُ اللّهُ ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللّهِ وَنَهْيِهِ ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقَدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَه فِي الدِّينِ ۱ .
الشّرْحُ :
يقال : هذا توأم هذا ، وهذه توأمته ، وهما توأمان ؛ وإنما جُعل الوفاء توأم الصدق ؛ لأنّ الوفاء صدقٌ في الحقيقة ؛ أَلا تَرى أنّه قد عاهد عَلَى أمرٍ وصدق فيه ولم يُخْلِف ؛ وكأنهما أعمّ وأخصّ ، وكل وفاءٍ صدق ، وليس كلّ صدقٍ وفاء ، فإن امتنع من حيث الاصطلاح تسميةُ الوفاء صدقا فلأمرٍ آخر ؛ وهو أنّ الوفاء قد يكون بالفعل دون القول ، ولا يكون الصدق إلاّ في القول ؛ لأنّه نوع من أنواع الخبر ، والخبر قول .
ثم قال : « ولا أعلم جُنّة » أي درعا أوقَى منه ، أي أشدّ وقاية وحفظا ؛ لأنّ الوفيّ محفوظ من اللّه ، مشكور بين الناس .
ثم قال « وما يغدر مَنْ عَلِمَ كيف المرجع » ، أي مَنْ علم الآخرة وطوَى عليها عقيدته ، منعه ذلك أن يغدِر ؛ لأنّ الغدر يُحْبِط الإيمان .
ثمّ ذكر أنّ الناس في هذا الزمانِ ينسبون أصحاب الغدر إلى الكَيْس ، وهو الفِطْنة والذكاء ، فيقولون لمن يخدَع ويغدِر ، ولأرباب الجريرة والمكْر : هؤلاء أذكياء أكياس ؛ كما كانوا يقولون فيعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وينسُبون أربابَ ذلك إلى حسن الحيلة وصحّة التدبير .
ثم قال : « ما لهم قاتَلهم اللّه » ! دعاء عليهم .