173
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قال الرضي ؛ :
أقول : الحذَّاء : السَّريعة ، ومن الناس من يرويه «جذّاء» بالجيم والذّال ، أي انقَطَع دَرُّها وَخَيْرُها .

الشّرْحُ :

الصُّبابة : بقية الماء في الإناء . واصطبّها صابُّها ، مثل قولك : أبقاها مُبقيها أو تركها تاركها ؛ ونحو ذلك ، يقول : أخوَف ما أخافه عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل ، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق ؛ وهذا صحيح لا ريب فيه ، لأنّ الهوى يُعمى البصيرة ، وقد قيل : حُبّك الشيء يُعمى ويُصِمّ .
« وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة » ، وهذا حقّ ؛ لأنّ الذهن إذا انصرف إلى الأمل ، ومدّ الإنسان في مداه ، فإنّه لا يذكر الآخرة ، بل يصير مستغرق الوقت بأحوال الدنيا ، وما يرجو حصوله منها في مستقبل الزمان .
ثم قال عليه السلام : « ألا إنّ الدنيا قد أدبرت حذّاء » بالحاء والذال المعجمة ؛ وهي السريعة ، وقطاة حذّاء : خفّ ريشُ ذَنَبِها ، وَرَجُل أحذّ ، أي خفيف اليد ، وقد رُوِي : « قد أدبرت جذّاء » بالجيم ؛ أي قد انقطع خَيْرُها ودَرّها .
ثم قال : إن كل ولد سيلْحَق بأُمّه يوم القيامة ، فكونوا من أبناء الآخرة لتلحقوا بها وتفوزوا ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فتلحقوا بها وتخسروا .
ثم قال : اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل » ، وهذا من باب المقابلة في علم البيان .

43

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام
بعد إرساله إلى معاوية جرير بن عبد اللّه البجلي
إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ ، إِغْلاَقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
172

ثم قال : قد يَرى الحوّل القلّبُ وجهَ الحيلة ، ويمنعه عنها نهيُ اللّه تعالى عنها ، وتجريمه بعد أن قَدَر عليها ، وأمكنه . والحوّل القلّب : الذي قد تحوَّل وتقلّب في الأُمور وجَرّب ، وحنّكَته الخطوب والحوادث .
ثم قال : « وينتهز فُرْصتها » ، أي يبادر إلى افتراصها ويغتنمها . مَنْ لا حريجة له في الدين ، أي ليس بذي حَرَج ، والتحرّج : التأثم . والحريجة : التقوى ؛ وهذه كانت سجيته عليه السلام وشيمته ، مَلَك أهلُ الشام الماء عليه ، والشريعة بصفّين ، وأرادوا قتْلَه وقتلَ أهل العراق عطشا ؛ فضارَبهم على الشريعة حتى مَلَكها عليهم ، وطردَهم عنها ، فقال له أهل العراق : اقْتُلْهُم بسيوف العطش ، وامنعهم الماء ، وخذهم قَبْضا بالأيدي ؛ فقال : إنّ في حدّ السيف لغنىً عن ذلك ، وإني لا أستحلّ منعَهم الماء . فأفْرَجَ لهم عن الماء فوردوه ، ثم قاسمهم الشريعة شَطْرَيْن بينهم وبينه ، وكان الأشتر يستأذنه أن يبيِّت ۱ معاوية ، فيقول : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه نهى أن يُبَيَّتَ المشركون ، وتوارث بنوه عليه السلام هذا الخُلق الأبيّ .

42

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ : اتِّبَاعُ الْهَوَى ، وَطُولُ الْأَمَلِ ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ .
أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ ؛ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا . أَلاَ وَإِنَّ الآخِرَةِ قَدْ أَقْبَلَتْ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بأُمِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ ، وَغَدا حِسَابٌ ، وَلاَ عَمَلَ ۲ .

1.يقال : بيّت العدو ، أي قصده في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة ، وهو البيات .

2.اصطبّها : سكبها . صابّها : ساكبها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95500
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي