189
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا ، وَتَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا ، وَقَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْوا ، وَكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْوا ، فَلَمْ يَبقَ مِنْهَا إِلاَّ سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الاْءدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ ، لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ .
فَأَزْمِعُوا عِبَادَ اللّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هـذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُور عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ ؛ وَلاَ يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ ، وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ . فَوَاللّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ ، وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ ، وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ ، وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ ، الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَة عِنْدَهُ ، أَوْ غُفْرَان سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ ، وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ ، لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ ، وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ .
وَبِاللّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمْ انْمِيَاثا ، وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَما ، ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا ، مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ ، مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ ـ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئا مِنْ جُهْدِكُمْ ـ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ ، وَهُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلإيمَانِ .

الشّرْحُ :

تصرّمت : انقطعت وفنيت . وآذنت بانقضاء : أعلَمت بذلك ، آذنته بكذا ، أي أعلمته . وتنكّر معروفها : جُهِل منها ما كان معروفا . والحذّاء : السريعة الذهاب ، ورحِم حذّاء : مقطوعة غير موصولة . ومن رواه « جذّاء » بالجيم ، أراد منقطعة الدرّ والخير . وتحفز بالفناء سكانها :تُعجلهم وتسوقهم . وأمَرّ الشيء : صار مُرّاً . وكدر الماء ، بكسر الدال ، ويجوز كَدُر بضمها . والمصدر من الأوّل كَدَرا ، ومن الثاني كُدُورة . والسَّمَلة ، بفتح الميم : البقيّة من الماء تَبْقى في الإناء . والمَقْلة ، بفتح الميم وتسكين القاف : حصاة القَسْم التي تلقى في الماء ليعرف قَدْر ما يُسقى كلّ واحد منهم ؛ وذلك عند قلة الماء في المفاوز . والتمزّز : تمصّص الشراب قليلاً قليلاً . والصديان : العطشان .
ولم ينقع : لم يَرْو ؛ وهذا يمكنُ أن يكونَ لازما ، ويمكن أن يكون متعدِّيا ، وتقول : نقع


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
188

الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاء ؛ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ ، وَالْحَيَاةُ في مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ .
أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ ، وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ .

الشّرْحُ :

استطعموكم القِتال ، كلمة مجازية ، ومعناها : طلبوا القتال منكم ؛ كأنه جعل القتال شيئا يُستطعم ، أي يُطلب أكله ، وفي الحديث : « إذا استطعمكم الإمام فأطعموه » ، يعني إمام الصلاة ، أي إذا أُرتِجَ فاستفتحكم فافتحوا عليه . وتقول : فلان يستطعمني الحديث ؛ أي يستدعيه مِنّي ويطلبه . واللُّمَة ، بالتخفيف : جماعة قليلة .
وعَمّس عليهم الخبر ؛ يجوز بالتشديد ، ويجوز بالتخفيف ، والتشديد يُعطي الكثرة ويفيدها ؛ ومعناه أبهم عليهم الخبر ، وجعله مظلما . ليلٌ عَمَاس ، أي مظلم ، وقد عمِس الليل نفسه بالكسر ؛ إذا أظلم وعمّسه غيره ، وعمّست عليه عَمْسا ، إذا أريته أنّك لا تعرف الأمر وأنت به عارف . والأغراض : جمع غَرَض وهو الهدف .
وقوله : « فأقرّوا على مذلّة وتأخير مَحَلّة » ، أي اثبتوا على الذلّ وتأخر المرتبة والمنزلة ، أو فافعلوا كذا وكذا .
ونحو قوله عليه السلام : « فالموت في حياتكم مقهورين » قول أبي نصر بن نُباتة : « والحسينُ الذي رأى الموت في العِزِّ حياةً والعيشَ في الذُلِّ قَتْلاً » .

52 ۱

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام ، وقد تقدم مختارها برواية
ونذكر ما نذكره هنا برواية أُخرى ، لتغاير الروايتين
أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ ، وَآذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ ، وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُها وَأَدبـَرَتْ حَذَّاءَ ،

1.اُنظر الخطبة رقم ۲۸ ، ج ۲ ، ص ۹۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95505
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي