199
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ ، وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ .
أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلاً ، وَسَيْفا قَاطِعا ، وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمونَ فِيكُمْ سُنَّةً .

قال الرضي رحمه الله :
قوله عليه السلام : « ولا بقي منكم آبر » ، يروى على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون كما ذكرناه : (آبِرٌ) بالراء ، من قولهم : رجلٌ آبر للذي يأبر النخل ، أي يصلحه .
ويروى : «آثِرٌ» بالثَّاء ، بثلاث نقطٍ ، يُراد به الذي يأثر الحديث ، أي يرويه ويحكيه ، وهو أصح الوجوه عندي ، كأنه عليه السلام قال : لا بقي منكم مخبر .
ويروى : «آبِز» بالزاي المعجمة ، وهو الواثب ، والهالك أيضا يقال له : آبز .

الشّرْحُ :

الحاصب : الريح الشديدة التي تُثير الحصباء ؛ وهو صغار الحصى ؛ ويقال لها أيضا حَصِبَهْ .
فأمّا التفسيرات التي فَسّر بها الرضيّ رحمه اللّه تعالى قوله عليه السلام : « آبر » فيمكن أن يزاد فيها ، فيقال : يجوز أن يريد بقوله : « ولا بقي منكم آبِر » أي نَمّام يفسد ذات البين ؛ والمئبرَة : النميمة ، وأبر فلان ، أي نَمَّ ، والآبر أيضا : مَنْ يبغي القوم الغوائل خفْيةً ، مأخوذ من أبَرْتُ الكلب إذا أطعمتَه الإبرة في الخبز ؛ وفي الحديث : « المؤمن كالكلب المأبور » ؛ ويجوز أنْ يكون أصلُه « هابر » ؛ أي مَنْ يضرب بالسيف فيقطع ؛ وأُبدلت الهاء همزة ، كما قالوا في « آل » : أهل ؛ وإن صحّت الرواية الأُخرى « آثر » بالثاء بثلاث نقط ، فيمكن أن يريد به ساجي باطن خُفّ البعير ؛ وكانوا يُسَجُّون باطن الخفّ بحديدة ليقتصّ أثره ؛ رجل آثر وبعير مأثور .
وقوله عليه السلام : « فأوبوا شرّ مآب » ، أي ارجعوا شرّ مرجع . والأعقاب : جمع عَقِب بكسر القاف ؛ وهو مؤخّر القدم ، وهذا كله دعاء عليهم ، قال لهم أوّلاً : أصابكم حاصِب ، وهذا من دعاء العرب . ثم قال لهم ثانيا : « لا بقى منكم مخبر » . ثم قال لهم ثالثا : « ارجعوا شَرّ مرجع » ، ثم قال لهم رابعا : « عودوا على أثر الأعقاب » ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : « وَنُرَدُّ عَلَى أعْقَابِنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا اللّهُ »۱ ، والمراد انعكاس حالهم ، وعوْدهم من العِزّ إلى الذلّ ، ومن

1.سورة الأنعام ۷۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
198

والجواب : أنّ أكثر أهل الحديث وأكثر المحقّقين من أهل السيرة روَوْا أنه عليه السلام أوّل من أسلم ؛ ونحن نذكر كلام أبي عمر يوسف بن عبد البرّ ، المحدّث في كتابه المعروف « الاستيعاب » .
قال أبو عمر في ترجمة علي عليه السلام : المرويّ عن سلْمان وأبي ذَرّ والمقداد وخبّاب وأبي سعيد الخدريّ وزيد بن أسلم : أن عليا عليه السلام أول من أسلم ؛ وفَضّله هؤلاء على غيره .
المسألة السابعة : أن يقال : كيف قال : « إنه سبق إلى الهجرة » ومعلوم أنّ جماعة مِنَ المسلمين هاجروا قبله .
والجواب : إنّه عليه السلام لم يقل : « وسبقت كلّ الناس إلى الهجرة » ؛ وإنما قال : « وسبقت » فقط ؛ ولا يدلّ ذلك على سَبْقه للناس كافة ؛ ولا شبهة أ نّه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة ، ولم يهاجر قبلَه أحد إلا نفر يسير جداً .
وأيضا فقد قلنا إنه علّل أفضليَّته وتحريم البراءة منه مع الإكراه بمجموع أُمور : منها ولادته على الفِطْرة ، ومنها سبقه إلى الإيمان ، ومنها سَبْقه إلى الهجرة ؛ وهذه الأُمور الثّلاثة لم تجتمع لأحد غيره ؛ فكان بمجموعها متميّزا عن كلّ أحد من الناس .
وأيضا فإنّ اللام في « الهجرة » يجوز ألاّ تكون للمعهود السابق ، بل تكون للجنس ، وأميرُ المؤمنين عليه السلام سبق أبا بكر وغيره إلى الهجرة التي قبل هِجْرة المدينة ؛ فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمهاجرَ عن مكة مرارا يطوف على أحياء العرب ، وينتقل من أرض قوم إلى غيرها ؛ وكان عليٌّ عليه السلام معه دون غيره .

57

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام كلم به الخوارجأَصَابَكُمْ حَاصِبٌ ، وَلاَ بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ . أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللّهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ ! ( لَقَدْ ظَلَلْتُ إِذا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95522
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي