211
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

هكذا لا تعجَز ولا تقف مقدوراتها عند حَدٍّ وغاية أصلاً ؛ ويستحيل عليها التعب ، لأنها ليستْ ذات أعضاء وأجزاء .
وأمّا قوله عليه السلام : « ولا وَلَجتْ عليه شُبْهة » إلى قوله : « وأمر مُبْرَم » ، فحقّ ؛ لأ نّه تعالى عالم لذاته ؛ أي إنما عَلِم ما علمه لا بمعنى أن يتعلّق بمعلوم دون معلوم ؛ بل إنما علم أيّ شيء أشرت إليه ، لأ نّه ذات مخصوصة ؛ ونسبة تلك الذات إلى غير ذلك الشيء المشار إليه ، كنسبتها إلى المشار إليه ، فكانت عالمة بكلِّ معلوم ؛ واستحال دخول الشبهة عليها فيما يقضيه ويقدّره .
وأمّا قوله : « المأمول مع النِّقم ، المرهوب مع النعم » ؛ فمعنى لطيف ، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى : « أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ »۱ ، وقوله سبحانه : « سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ »۲ ،وقوله تعالى : « فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا * إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا »۳ ، وقوله سبحانه : « فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا »۴ .

65

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفينمَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ : اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ ، وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ ، وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ ، فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ وَأَكْمِلُوا اللَأْمَةَ ، وَقَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَالْحَظُوا الْخَزْرَ ، وَاطْعَنُوا الشَّزْرَ ، وَنَافِحُوا بِالظُّبَا ، وَصِلُوا السُّيُوفَ

1.سورة الأعراف ۹۷ و ۹۸ .

2.سورة الأعراف ۱۸۲ .

3.سورة الشرح ۵ و ۶ .

4.سورة النساء ۱۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
210

[ اختلاف الأقوال في خلق العالم ]

فأمّا قوله : « لم يخلق ما خلقَه لتشديد سلطانه » إلى قوله : « عباد داخرون » ، فاعلم أنّ الناس اختلفوا في حكمة خلقه تعالى للعالم ما هي ؟ على أقوال :
[وقد أورد ابن أبي الحديد هنا أقوال غير المسلمين من فلاسفة وأصحاب ديانات ، كأرسطا طاليس ، وقدماء الفلاسفة ، والمجوس ، والمانوية ثم ذكر القول الخامس ، وهو لمتكلمي الإسلام] ، وهو على وجوه :
أوّلهما : قول جمهور أصحابنا : إن اللّه تعالى إنما خلَق العالم للإحسان إليهم والإنعام على الحيوان ؛ لأنّ خلْقه حيّا نعمة عليه ، لأنّ حقيقة النعمة موجودة فيه ، وذلك أنّ النعمة هي المنفعة المفعولة للإحسان ، ووجود الجسم حيّا منفعة مفعولة للإحسان .
وثانيها : قول قوم من أصحابنا البغداديّين : إنه خلَق الخلْق ؛ ليُظهِرَ به لأربابِ العقول صفاتِه الحميدة ، وقدرتَه على كلّ ممكن ، وعلمَه بكلِّ معلوم ؛ وما يستحقّه من الثناء والحمد . قالوا : وقد ورد الخبر أنه تعالى قال : « كنتُ كنزا لا أُعرَف ، فأحببت أن أُعرَف » ؛ وهذا القول ليس بعيدا .
وثالثها : للمجبِّرة : إنه خلق الخلْق لا لغرض أصلاً ؛ ولا يقال : لم كان كلّ شيء لعلة ، ولا علة لفعله .
ورابعها : قول بعضِ المتكلّمين : إنّ البارئ تعالى إنما فعل العالم لأ نّه ملتذٌّ بأنْ يفعل ، وأجاز أربابُ هذا القول عليه اللذّة والسرور والابتهاج .
وأمّا قوله عليه السلام : « لم يحلُل في الأشياء ، فيقال : لا هو فيها كائن ولا منها مباين » ، فينبغي أن يحمَل على أ نّه أرادَ أ نّه لم ينْأَ عن الأشياء نأيا مكانيا فيقال : هو بائن بالمكان ، هكذا ينبغِي أن يكون مراده ؛ لأ نّه لا يجوز إطلاقُ القول بأنّه ليس ببائن عن الأشياء ؛ وكيف والمجرّد بالضرورة بائن عن ذي الوضع ؛ ولكنها بينونة بالذات لا بالجهة . والمسلمون كلُّهم متفقون على أ نّه تعالى يستحيل أن يحلّ في شيءٍ .
فأمّا قولُه عليه السلام : « لم يؤدْهُ خَلْق ما ابتدأ » إلى قوله : « عَمّا خلَق » ، فهو حقّ ؛ لأ نّه تعالى قادر لِذاته ، والقادر لذاته لا يتعب ولا يعجَز ؛ لأ نّه ليس بجسم ، ولا قادر بقدرة يقف مقدورها عند حَدّ وغاية ، بل إنما يقدر على شيء لأ نّه تعالى ذات مخصوصة ، يجب لها أن تقدر على الممكِنات ؛ فيكون كلّ ممكن داخلاً تحت هذه القضيّة الكلية ؛ والذات التي تكون

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95528
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي