215
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قال عليه السلام : ما قالت الأنصار؟
قالوا : قالت : منا أمير ومنكم أمير .
قال عليه السلام : فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلى مُحْسِنِهِمْ ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ!
قالوا : وما في هذا من الحجَّة عليهم؟
فقال عليه السلام : لَوْ كَانَتِ الاْءِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ . ثم قال عليه السلام : فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟
قَالُوا : احتجَّت بأَنَّها شجرة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم .
فقال عليه السلام : احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ ، وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ .

الشّرْحُ :

هذا الخبر الوارد في الوصية بالأنصار ؛ فهو خبر صحيح ، أخرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاريّ ، ومسلم بن الحجاج القُشيْري في مسنديْهما عن أنس بن مالك ۱ .
وأما كيفية الاحتجاج على الأنصار ، فقد ذكرها عليّ عليه السلام ؛ وهي أ نّه لو كان ـ صلواتُ اللّه وسلامه عليه ـ ممّن يجعل الإمامة فيهم ؛ لأوصى إليهم ، ولم يوصِ بهم .
فأمّا قول أمير المؤمنين : « احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » ؛ فكلام قد تكرّر منه عليه السلام أمثالُه ؛ نحو قوله : « إذا احتجّ عليهم المهاجرون بالقُرْب من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قائمة ؛ فإن فَلَجَتْ حُجّتهم كانت لَنَا دونهم ؛ وإلاّ فالأنصار على دعوتهم » .
ونحو هذا المعنى قول العباس لأبي بكر : « وأما قولك : نحن شجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فإنكم جيرانها ؛ ونحن أغصانها » ۲ .

1.صحيح البخاري ۲ : ۳۱۲ ، صحيح مسلم ح۱۹۴۹ .

2.إنّ ابن أبي الحديد نقل أخبار السقيفة من ( كتاب السقيفة ) للجوهري ، ومن موفقيات الزبير بن بكّار ، وأورد كثيرا من الأحداث والخطابات والأشعار ، والمنافرات التي جرت بين الأنصار والمهاجرين ، وبين المهاجرين أنفسهم دفاعا عن حق أهل البيت : في الخلافة ، وتبريراً لأفعال أصحاب السقيفة الحزب الحاكم في إنكار النص على الإمام عليه السلام . وكان قطب الاختلاف في هذا المصالح الشخصية والمطالب الدنيوية . ومحصّل ما أورده الشارح يكشف للمتأمل أن منزلة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نفوس الناس عظيمة في حياة الرسول وعقيب وفاته ، عند أهل الدين ، وعند غيرهم . وأن جمهور المسلمين كانوا يعتقدون بأهلية الإمام علي للخلافة بوصيّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، أمّا حينما تقدّم من تقدّم عليه بالخلافة فقد اصطنعوا الناس بالدنيا فمالوا إليهم دونه وعلموا من سيرته أ نّه لو تسنّم كرسي الخلافة لم يتقدّم عنده إلاّ من قدّمه الدين . وبهذا يرتفع عذر من يقول : إن عذر عاقدي البيعة لأبي بكر ؛ أنّهم خافوا من عدم انقياد العرب وقريش له لبغضهم إياه . وقد صرّح عمر لابن عباس أنه سعى مع الخليفة أبي بكر لإبعاد علي عن الحكم . فقد روى الراغب الأصفهاني أن عمر قال لابن عباس : يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر ، ولكن خشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لِما قد وترها . محاضرات الأُدباء ۲ : ۲۱۳ . وفي موقف آخر صرّح الخليفة لابن عباس بمسؤوليته وحده عن إبعاد علي عليه السلام عن الحكم يقوله : لقد أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمفي مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام . راجع الأصل من هذا الشرح ۳ : ۹۷ . ثم إنّ الشارح ذكر أن كثيراً من الأنصار ندموا بعد بيعة أبي بكر ، وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه ، وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام . أقول : هذا الهتاف من الأنصار باسم علي عليه السلام كان بعد ما خرج الأمر من أيديهم ، فندموا على انحرافهم عن أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بالوصية والنص على علي عليه السلام بالإمامة والخلافة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
214

وقوله : « وامشُوا إلى الموت مَشْيا سُجُحاً » ؛ أي سهلاً ، والسجاحة : السهولة ، يقال : في أخلاق فلان سَجاحة ، ومن رواه « سمحاً » أراد سهلاً أيضا . والسّواد الأعظم ، يعني به جُمهور أهلِ الشام .
قوله : « والرّواق المطنَّب » ، يريد به مضرِب معاوية ذا الأطناب ، وكان معاوية في مضرب عليه قُبّة عالية ، وحَوْلَه صناديد أهل الشام . وثَبجه : وَسَطه ، وثبج الإنسان : مابين كاهله إلى ظهره . والكِسْر : جانب الخِباء . وقوله : « فإنّ الشيطان كامنٌ في كسْرِه » ، يحتمل وجهين ؛ أحدُهما : أن يعني به الشيطان الحقيقيّ ، وهو إبليس ، والثاني : أن يعني به معاوية . والثاني هو الأظهر للقرينة التي تؤيده ، وهي قوله : « قد قَدّم للوثبة يدا ، وأخَّر للنكوص رجلاً » ، أي إن جبنتم وثَب ، وإن شجعتم نَكَص ، أي تأخر وفرّ ؛ ومَنْ حمله على الوجه الأوَّل جعله من باب المجاز ، أي أن إبليس كالإنسان الذي يعتوره دواعٍ مختلفة بحسب المتجدّدات ، فإن أنتم صدقتم عدوّكم القتال فرَّ عنكم بفرار عدوكم ، وإن تخاذلتم وتواكلتم طمِع فيكم بطمعه ، وأقدم عليكم بإقدامه .
وقوله عليه السلام : « فصَمْدا صمْدا » أي اصمدوا صمدا صمدا ، صمدت لفلان أي قصدت له .
وقوله : « حتى ينجليَ لكم عمودُ الحق » ، أي يسطع نورُه وضوءُه ، وهذا من باب الاستعارة . والواو في قوله : « وأنتم الأعلوْن » واو الحال . ولن يَتِرَكم أعمالكم ، أي لن ينقصكم ، وهاهنا مضافٌ محذوف تقديره : جزاء أعمالكم ، وهو من كلام اللّه تعالى رَصّع به خطبتَه عليه السلام .
وهذا الكلام خَطَب به أميرُ المؤمنين عليه السلام في اليوم الذي كانت عشيّته ليلة الهرِير في كثير من الروايات . وفي رواية نصر بن مزاحم ، أ نّه خَطَب به في أوّل أيام اللقاء والحرب بصِفّين ، وذلك في صفر من سنة سبع وثلاثين .

66

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصارقالوا : لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95515
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي