229
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

مذهب أصحابنا .

74

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أُميّة له بالمشاركة في دم عثمانأَوَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفي ؟ أَوَ مَا وَزَعَ الْجُهَّالُ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي ! وَلَمَا وَعَظَهُمُ اللّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي .
أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ ، وَخَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ ، وَعَلَى كِتَابِ اللّهِ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ ، وَبِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ!

الشّرْحُ :

القَرْف : العيب ؛ قرفتُه بكذا أي عبته . ووزَع : كَفّ وَردَع ؛ ومنه قوله : « لابدّ للناس من وَزَعة » ، جمع وازع ، أي من رؤساء وأُمراء . والتُّهمَة ، بفتح الهاء ؛ هي اللغة الفصيحة ؛ وأصل التاء فيه واو . والحجيج ، كالخصيم : ذو الحجاج والخصومة . يقول عليه السلام : أمَا كان في عِلْم بني أميّة بحالي ما ينهاها عن قَرْفي بدم عثمان ! وحاله التي أشار إليها ؛ وذكَر أنّ عِلْمَهم بها يقتضي ألاّ يقرِفوه بذلك ؛ هي منزلته في الدِّين التي لا منزلةَ أعلى منها ، وما نطق به الكتاب الصادق من طهارته وطهارة بنيه وزوجته ؛ في قوله : « إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا »۱ . وقول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « أنْتَ مِني بمنزلة هارون من موسى » ، وذلك

1.سورة الأحزاب ۳۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
228

تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ .

الشّرْحُ :

نافست في الشيء مُنافسة ونِفاسا ؛ إذا رغبتَ فيه على وجه المباراة في الكرم ، وتنافسوا فيه ، أي رغبوا . والزّخرف : الذهب ، ثم شبه به كل مموّه مزوّر ، قال تعالى : « حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها »۱ والمزخرف : المزيّن . والزِّبرج : الزينة من وشيٍ أو جوهر ، ونحو ذلك . ويقال : الزبرج الذهب أيضا . يقول لأهلِ الشورى : إنكم تعلمون أنّي أحقّ بالخلافة من غيري ، وتعدلون عَنّي . ثم أقسم لَيُسْلِمَنَّ وليتركَنّ المخالفة لهم ، إذا كان في تسليمه ونزوله عن حَقِّه سلامةُ أُمور المسلمين ، ولم يكن الجوْرُ والحيْفُ إلاّ عليه خاصة ، وهذا كلام مثله عليه السلام ، لأ نّه إذا علم أو غلَب عَلَى ظنه أنه إن نازَع وحارَب دخل على الإسلام وَهَن وَثَلْم ، لم يَخْتَرْ له المنازعة وإن كان يطلب بالمنازعة ما هو حق ؛ وإن عَلِم أو غلَب على ظنّه بالإمساك عن طلب حقه أنما يدخل الثّلْم والوَهَن عليه خاصة ، ويسلم الإسلامُ من الفتنة ، وَجَب عليه أنْ يُغضِيَ ويصبر على ما أتوْا إليه من أخذ حقّه ، وكفّ يده ؛ حراسة للإسلام من الفتنة .
فإن قلت : فهلاّ سلّم إلى معاوية وإلى أصحاب الجَمل ، وأغضَى على اغتصاب حَقّه حفظا للإسلام من الفتنة؟
قلت : إنّ الجورَ الداخل عليه من أصحاب الجمل ومن معاوية وأهل الشام ، لم يكن مقصورا عليه خاصّة ؛ بل كان يعمّ الإسلام والمسلمين جميعا ؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يصلُح لرياسة الأُمّة وتحمّل أعباء الخلافة ، فلم يكن الشَّرْط الذي اشترطه متحقّقا ، وهو قوله : « ولم يكن فيه جَوْر إلاّ عليّ خاصة » .
وهذا الكلام يدلّ على أ نّه عليه السلام لم يكن يذهب إلى أنّ خلافة عثمان كانت تتضمّن جورا على المسلمين والإسلام ، وإنّما كانت تتضمّن جورا عليه خاصّة ، وأنّها وقعت على جهة مخالفة الأَولى ؛ لا على جهة الفساد الكلي والبطلان الأصلي ۲ . وهذا محض

1.سورة يونس ۲۴ .

2.كيف لا يتصوّر وقوع الجور على المسلمين إذا كانت نتيجة الشورى صعود سدة الحكم وكرسي الخلافة أحد هؤلاء المتنافسين على زخرف الدنيا وزبرجها ؟ وكيف كانت بيعة عثمان صحيحة ؟ وهي تتضمن الجور عليه ؛ لأنهم أكرهوه عليه السلام وأرادوا قتله ، كما أنّها تضمنت مفاسد عظيمة من ركوب بني أُميّة ـ أمثال مروان والوليد وغيرهما ـ رقاب المسلمين والعبث بمقدراتهم ، فكانت أُمور المسلمين غير سالمة ، لمنافاة سياسة الخليفة نفسه للكتاب والسنّة ؛ فمن الطبيعي أن لا يسكت الإمام عليه السلام على هذه السياسة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95521
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي