237
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قال الرضي رحمه الله :
أقول : وإذا تأمل المتأمل قوله عليه السلام : « وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بصّرَتْهُ » ، وجد تحته من المعنى العجيب ، والغرض البعيد ، ما لا يُبلغ غايته ولا يدرك غوره ، لا سيما إذا قرن إليه قوله : « وَمَنْ أَبْصَرَ إلَيْهَا أعْمَتْهُ » فإنه يجد الفرق بين « أبصر بها » و « أبصر إليها » واضحا نيّرا ، وعجيبا باهرا .

الشّرْحُ :

العناء : التعب . وساعاها : جاراها سعيا . وواتته : طاوعته .
ونظر الرضيّ إلى قوله . « أولها عناء وآخرها فناء » ، فقال :

وأوّلُنا العناء إذا طَلَعْنَاإلى الدنيا وآخُرنا الذهابُ
ونظر إلى قوله عليه السلام «في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب» بعض الشعراء فقال :

حَلاَلُها حسرةٌ تُفضِي إلى نَدَمٍوفي المحارمِ مِنْها الغنمُ مَنْزورُ
ونظر ابن المعتزّ إلى قوله عليه السلام : « مَنْ ساعاها فاتتْه ، ومن قعد عنها واتته » فقال : الدنيا كظلّك ، كلّما طلبته زاد منك بعداً .
ونظرتُ إلى قوله عليه السلام : « ومَنْ أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته » ، فقلت :

دُنْيَاكَ مثلُ الشَّمْسِ تُدنى إليْــك الضوءَ لكن دعوة المُهْلِكْ
إن أنت أبصرتَ إلى نورِهاتَعْشَ ، وإن تبصرْ به تدركْ
فإن قلت : المسموع : أبصرت زيدا ، ولم يسمع أبصرت إلى زيد ، قلت : يجوز أن يكون قوله عليه السلام : « ومن أبصر إليها » ، أيْ ومن أبصر متوجهاً إليها ، كقوله : « فِي تِسْع آيَاتٍ إلَى فِرْعَوْنَ »۱ ولم يقل « مرسلاً » ؛ ويجوز أن يكون أقام ذلك مقام قوله « نظر إليها » لما كان مثله ، كما قالوا في « دخلت البيت » ، « ودخلت إلى البيت » أجروْه مجرَى « ولجت إلى البيت » لَمّا كان نظيره .

1.سورة النمل ۱۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
236

فَإِنْ عَزَبَ ذلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ ، وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ ، فَقَدْ أَعْذَرَ اللّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ .

الشّرْحُ :

فسّر عليه السلام لفظ الزّهّادة ، وهي الزّهد ، بثلاثة أُمور وهي : قِصر الأمل ، وشكر النعمة ، والورَع عن المحارم ، فقال : لا يسمّى الزّاهد زاهدا حتى يستكمِل هذه الأُمور الثلاثة ، ثم قال : « فإن عزب ذلك عنكم » ، أي بَعُدَ ، فأمران من الثلاثة لابدّ منهما ؛ وهما الورع وشكر النعم ، جعلهما آكد وأهمّ من قصر الأمل .
واعلم أنّ الزهد في العُرْف المشهور هو الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها، لكنه لما كانت الأُمور الثلاثة طريقا موطئة إلى ذلك أطلَق عليه السلام لفظ الزهد عليها على وجه المجاز .
وقوله : « فقد أعذر اللّه إليكم » أي بالغ ؛ يقال : أعذَر فلان في الأمر أي بالغ فيه ، ويقال : ضُرِب فلان فأعذر ، أي أشرف على الهلاك ؛ وأصل اللفظة من العذر ؛ يريد أنه قد أوضحَ لكم بالحجج النيّرة المشرقة ما يجب اجتنابُه ، وما يجب فعله ؛ فإن خالفتم استوجبتُم العقوبة ؛ فكان له في تعذيبكم العذر .

81

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في صفة الدنيامَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ ، وَآخِرُهَا فَنَاءٌ ! فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ ، وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ . مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ ، وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ ، وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95739
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي