241
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَكَذلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ ، لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاما ، وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاما ، يَحْتَذُونَ مِثَالاً ، وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً ، إِلَى غَايَةِ الاِْنْتِهَاءِ ، وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ .

الشّرْحُ :

يقال : عيش رنِق ، بكسر النون ، أي كَدِر ، وماءٌ رنقْ بالتسكين ، أي كَدر والرَّنَق بفتح النون مصدر قولك : « رِنق الماء » بالكسر ورنَّقته أنا ترنيقاً ، أي كَدّرته والرواية المشهورة في هذا الفصل « رِنق مشربُها » بالكسر أقامه مقام قولهم : « عيش رَنِق » ، ومن رواه « رَنْق مشربها » بالسكون ـ وهم الأقلون ـ أجرى اللفظ على حقيقته .
ويقال : مشرع رَدِغ : ذو طين ووحَل ، روي « الرَّدَغَة » بالتحريك ، ويجوز تسكين الدال ؛ والجمع رِداغ وردْغ . ويونِق منظرُها : يعجب الناظر ؛ آنقَنِي الشيء أعجبني . ويُوبق مخبرها : يُهلك ، وَبَق الرجلُ يبِق وبُوقاً ، هلك ؛ والموْبِق « مفعِل » منه كالموعد « مَفْعل » ، من وعَد يعِد ، ومنه قوله سبحانه : « وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا »۱ . وقد جاء وَبِق يبِق ، بالكسر فيهما ، وهو نادر ، كورثَ يرِث ، وجاء أيضا وبق يوبق وبَقا . والغُرور ، بضم الغين : ما يغترّ به من متاع الدنيا ، والغَرور ، بالفتح : الشيطان . والحائل : الزائل ، والآفل : الغائب ، أفل غاب بأفُلُ ويأفِل أفولاً . والسّناد : دِعامة يُسنَد بها السقف . وناكرها : فاعل ، من نكرت كذا ، أي أنكرته . وقمصت بأرجلها ، قَمصَ الفرسُ وغيره يقمِص ويقمُص قَمْصاً وقِماصاً ، أي استنّ ؛ وهو أن يرفع يديْه ويطرحهما معاً ، ويعجن برجْليه ، وفي المثل المضروب لمن ذلّ بعد عزة : « ما لِعَيْر من قِماص » . وجمع فقال : « بأرجلها » وإنما للدابة رجلان ، إمّا لأنّ المثنى قد يطلق عليه صيغة الجمع ؛ كما في قولهم : امرأة ذات أوراك ومآكم ؛ وهما وَركان ، وإمّا لأ نّه أجرى اليدين والرجلين مجرى واحد ، فسماها كلّها أرجلاً . ومن رواه « بالحاء » فهو جمع رَحْل الناقة . وأقصدت : قتلت مكانها من غير تأخير . والأوهاق : جمع وَهَق بالتحريك ، وهو الحبل ، وقد يسكن مثل نَهْر ونهَر . وأعلقتُ المرء الأوْهَاق : جعلتَ الأوهاق عالقة به . والضنك : الضيق . والمضجع : المصدر أو المكان ، والفعل ضَجَع الرجل جنبه بالأرض ، بالفتح ، يضجَع ضجوعا وضجْعاً ، فهو ضاجع ؛ ومثله أضجع . والمرجِع : مصدر رَجَع ، ومنه

1.سورة الكهف ۵۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
240

والغنى ، ومنه ارتاش فلان ، حَسُنت حالُه ، ويكون لفظ « ألبسكم » مجازا إن فُسِّر بذلك . وأرفغَ لكم المعاش ؛ أي جعله رفيغا ، أي واسعا مخصِبا ؛ يقال : رفُغ ـ بالضمّ ـ عيشُه رَفاغة ، اتسع ، فهو رافغ ورفيغ ، وترفّغ الرجل ، وهو في رفاغيَة من العيش ، مخففاً ، مثل « رَفَاهِيَة » و « ثمانية » .
وقوله : « وأحاط بكم الإحصاء » أي أحاط بكم حفظته وملائكته للإحصاء .
قوله : « وأرصد » يعني أعدّ ، وفي الحديث : « إلاّ أن أرصُدَه لديْن عليّ » . وآثرَكم من الإيثار ، وأصله أن تقدِّم غيرَك على نفسك في منفعة أنت قادرٌ على الاختصاص بها وهو في هذا الموضع مجاز مستحسَن . والرِّفَد : جمع رِفْدَة ، مثل كِسْرة وكِسَر ، وفِدْرةٍ وفِدَر . والرِّفدة والرِّفَد واحد ، وهي العطيّة والصِّلَة ورَفدت فلاناً رَفْدا بالفتح ، والمضارع أرفِده بكسر الفاء ، ويجوز « أرفدته » بالهمزة . والروافغ : الواسعة . والحجج البوالغ : الظاهرة المبينة ، قال سبحانه : « فَلِلّهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ »۱ . ووظَّف لكم مددا ، أي قدّر ، ومنه وظيفة الطعام .
وقرار خِبْرة بكسر الخاء ، أي دار بلاء واختبار ، تقول : خبرت زيدا أخبرُه خُبْرة ، بالضم فيهما ، وخِبْرة بالكسر إذا بلوته واختبرتَه . ودار عِبْرة أي دار اعتبار واتّعاظ ، والضمير في « فيها » و « عليها » ليس واحدا ، فإنّه في « فيها » يرجع إلى الدار ، وفي « عليها » يرجع إلى النعم والرِّفَدِ ، ويجوز أن يكون الضمير في « عليها » عائدا إلى الدار على حذف المضاف ، أي على سكانها .

الأصْلُ :

۰.فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا ، رَدِغٌ مَشْرَعُهَا ، يُونِقُ مَنْظَرُهَا ، وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا . غُرُورٌ حَائِلٌ ، وَضَوْءٌ آفِلٌ ، وَظِلٌّ زَائِلٌ ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا ، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا ، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا ، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا ، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا ، وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ ، وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ .

1.سورة الأنعام ۱۴۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95734
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي