243
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الدَّاعِي ، عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ ، وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ . قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ ، وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ ، وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنَمَةً ، وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ ، وَعَظُمَ الشَّفَقُ ، وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ ، وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ ، وَنَكَالِ الْعِقَابِ ، وَنَوَالِ الثَّوَابِ .

الشّرْحُ :

تصرّمت الأُمور : تقطّعت ، ومثله « تقضّت الدهور » . وأزف : قَرُب ودَنا ، يأزف أزفاً ؛ ومنه قوله تعالى : « أَزِفَتِ الآزِفَةُ »۱ أي القيامة ، الفاعل « آزف » . والضرائح : جمع ضريح وهو الشّقّ في وسَط القبر . واللَّحْد : ما كان في جانب القبر ، وضرحت ضَرْحاً ، إذا حفرت الضريح . والأوكار : جمع وَكْر يفتح الواو ، وهو عشّ الطائر ، وجمع الكثرة وُكور ، وكَر الطائر يكِرُ وَكْرا ، أي دخل وَكْره ، والوَكْن بالفتح مثل الوكر ، أي العُشّ . وأوجِرَة السِّباع : جمع وِجار بكسر الواو ، ويجوز فتحها ، وهو بيت السَّبُع والضبُع ونحوهما . مهطعين : مسرعين . والرَّعيل : القطعة من الخيل .
قوله عليه السلام : « ينفذهم البَصَر ويُسمعهم الداعي » ، أي هم مع كثرتهم لا يخفى منهم أحد عن إدراك البارئ سبحانه ، وهم مع هذه الكثرة أيضا لا يبقى منهم أحد إلاّ إذا دعا داعي الموت سمع دعاءهم ونداءه .
واللَّبوس ، بفتح اللام : ما يلبس ، قال :

إلبَسْ لِكُلِّ حالة لَبُوسَهاإمّا نعيمَها وإمّا بوسَها
ومنه قوله تعالى : « وَعَلَّمنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ »۲ يعني الدُّروع . والاستكانة : الخضوع . والضَّرع : الخشوع والضعف ، ضَرَع الرجل يضرَع ، وأضرعه غيره . وكاظمتُه : ساكته ، كَظَم يكظِم كُظوماً أي سكتَ ، وقوم كظَّم ، أي ساكتون . ومهينمة : ذات هَيْنَمة ، وهي الصوت الخفيّ . وألجم العرقُ : صار لجاماً ، وفي الحديث . « إنَّ العرق لَيَجْري منهم حتى إنّ منهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من يبلغ صَدْره ، ومنهم من يبلغ عنقه ، ومنهم من يُلْجمه ، وهم أعظمهم

1.سورة النجم ۵۷ .

2.سورة الأنبياء ۸۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
242

قوله تعالى : « ثُمَّ إلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ »۱ وهو شاذّ ؛ لأنّ المصادر من فَعَل يفعِل بكسر العين ؛ إنما يكون بالفتح .
قوله : « ومعاينة المحلّ » ، أي الموضع الذي يحُلُّ به المكلَّف بعد الموت ؛ ولابدّ لكلّ مكلف أن يعلم عَقِيب الموت مصيره ؛ إمّا إلى جنة وإمّا إلى نار .
وقوله : « ثواب العمل » يريد جزاء العمل ، ومراده الجزاء الأعمُّ الشامل للسعادة والشقاوة ، لا الجزاء الأخصّ الذي هو جزاء الطاعة ، وسمي الأعمّ ثوابا على أصل الحقيقة اللغوية ؛ لأنّ الثواب في اللغة الجزاء ؛ يقال : قد أثابَ فلان الشاعرَ لقصيدة كذا ، أي جازاه .
وقوله : « وكذلك الخلف بِعقْبِ السلف » الخلَف المتأخرون ، والسلَف المتقدمون ؛ وعقْب هاهنا بالتسكين ؛ وهو بمعنى بَعْد ، جئت بعقْب فلان أي بعده ، وأصله جَرى الفرس بعد جَرْيه ، يقال : لهذا الفرس عَقْب حسن . وقال ابن السكيت : يقال . جئت في عُقْب شهر كذا ، بالضم ، إذا جئت بعد ما يمضي كلّه ، وجئت في عَقِب ، بكسر القاف إذا جئت وقد بقيت منه بقية . وقد روي : « يَعقُب السلف » ، أي يتبع .
وقوله : « لا تُقلع المنية » ، أي لا تكفّ ، والاخترام : إذهاب الأنفس واستئصالها . وارعوى : كفّ عن الأمر وأمسك . والاجترام ، افتعال من الجرم ، وهو الذنْب ، ومثله الجريمة ، يقال : جَرَم وأجْرَم بمعنى .
قوله : « يحتذون مثالاً » أي يقتدون ، وأصله من « حذوت النعل بالنعل حَذْوا » ، إذا قدّرت كلّ واحدة على صاحبها .
قوله : « ويمضون أرسالاً » ، بفتح الهمزة ، جمع رَسَل ، بفتح السين ، وهو القطيع من الإبل أو الغنم ، يقال : جاءت الخيل أرسالاً ، أي قطيعا قطيعا . وصَيّور الأمر : آخره وما يؤول إليه .

الأصْلُ :

۰.حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورِ ، وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ ، وَأَزِفَ النُّشُورُ ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ ، وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ ، وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ ، وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ ، سِرَاعا إِلَى أَمْرِهِ ، مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ ، رَعِيلاً صُمُوتا ، قِيَاما صُفُوفا ، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ ، وَيُسْمِعُهُمُ

1.سورة الأنعام ۱۶۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95725
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي