245
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله تعالى : « وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى »۱ وأصل التمييز على الفصل والتبيين . قوله : « قد أمهلوا في طلب المخرج » ، أي أُنظِروا لِيفيئوا إلى الطاعة ويُخلِصوا التوبة ؛ لأنّ إخلاصَ التوبة هو المخرج الذي مَنْ سلكه خرج من رِبْقَة المعصية . ومثله قولُه : « وهُدُوا سبيل المنهج » ، والمنهج : الطريق الواضح . والمستعتَب : المسترضَى ؛ استعتبت زيدا إذا استرضيته عَنّي ؛ فأنا مستعتِب له ، وهو مستعتَب . وأعتبني ، أي أرضاني ، وإنما ضرب المثل بمهل المستعتَب ؛ لأنّ مَنْ يُطلب رضاه في مجرى العادة لا يُرهَق بالتماس الرضا منه ؛ وإنما يمهل ليرضى بقلبه لا بلسانه .
والسُّدَف : جمع سُدْفة ؛ هي القطعة من الليل المظلم ، هذا في لغة أهل نجد ؛ وأما غيرهم فيجعل السدْفة الضوء ، وهذا اللفظ من الأضداد ، وكذلك السَّدَف ، بفتح السين والدال . وقد قيل : السُّدفة : اختلاط الضوء والظلمة كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار ، والسّدَف : الصبح وإقباله ، وأسدف الليل ، أظلم ؛ وأسدف الصبح أضاء ، يقال : أسدِف الباب ، أي افتحْه حتى يضيء البيت ؛ وفي لغة هوازن « أسدفوا » ؛ أي أسرجوا ، من السراج . والرِّيَب : الشبهة ، جمع رِيبة .
والمضمار : الموضع الذي تضمَّر فيه الخيل ، والمِضْمار أيضا المدة التي تضمّر فيها . والتضمير : أن تعلِفَ الفرس حتى يسمَن ؛ ثم تردّه إلى قوته الأُولى ؛ وذلك في أربعين يوما ، وقد يطلَق التَّضمير على نقيض ذلك ؛ وهو التجويع حتى يهزل ويخفّ لحمُه . ضَمَر الفرسُ بالفتح ، يضمُر بالضم ، ضموراً ، وجاء « ضَمُر الفرس » بالضم ، وأضمرته أنا ، وضمَّرته فاضطمر هو ، رجل لطيف الجسم ، ضمِير البطن ، وناقة ضامر وضامرة أيضا . يقول : مكَّنَهم الحكيم سبحانه وخلاَّهم وأعمالهم ، كما تمكّن الخيل التي تستبق في المِضْمار ليعلم أيُّها أسبق .
والرويّة : الفكْرة ، والارتياد : الطلب ، ارتاد فلان الكلأ يرتاده ارتيادا : طلبه ، ومثله راد الكلأ يروده رَوْدا ورِيادا ؛ وفي الحديث : « إذا بال أحدُكم فليرتدْ لبوله » ، أي فليطلب مكانا ليّنا أو منحدرا ، والرائد : الذي يرسله القوم في طلب الكلأ ؛ وفي المثل : « الرائد لا يكذب أهله » . والأناة : التؤدة والانتظار ، مثل القناة . وتأنّى في الأمر : ترفّق ، واستأنى فلان بفلان ، أي انتظر به ، وجاء الأناء ، بالفتح والمدّ ، على « فَعَال » .

1.سورة الأنعام ۹۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
244

مشقةَ » . ويُروى « وأثْجم العرق » ، أي كثر ودام . والشّفق والشفقة ، بمعنى ، وهو الاسم من الإشفاق ، وهو الخوف والحذر . وأرعدت الأسماع : عرتها الرِّعدة . وزَبْرة الداعي : صوته ، ولا يقال الصوت زَبْرة إلاّ إذا خالطه زجر وانتهار ، زبرتُه أزْبُره ، بالضم .
وقوله : « إلى فصل الخطاب » ، إلى هاهنا يتعلّق بالدّاعي . وفصل الخطاب : بَتُّ الحكومة التي بين اللّه وبين عباده في الموقف ، رزقنا اللّه المسامحة فيها بمنّه ! وإنما خص الأسماع بالرعدة ؛ لأنها تحدُث من صوت الملك الذي يدعو النَّاس إلى محاسبته . والمقايضة : المعاوضة ، قايضت زيدا بالمتاع ، وهما قيِّضان ، كما قالوا : بيِّعان .

الأصْلُ :

۰.عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَارا ، وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَارا ، وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَارَا ، وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثا ، وَكَائِنُونَ رُفَاتا ، وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَادا ، وَمَدِينُونَ جَزَاءً ، وَمُمَيَّزُونَ حِسَابا . قَدْ أُمْهِلُوا في طَلَبِ الْمَخْرَجِ ، وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ ؛ وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ ، وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ ، وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ ، وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ ، وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ ، فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ ، وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ .

الشّرْحُ :

مربوبون : مملوكون . والاقتسار : الغَلَبة والقهر . والاحتضار : حضور الملائكة عند الميت ؛ وهو حينئذٍ محتضَر ، وكانت العرب تقول : لبن محتضَر : أي فاسد ذو آفة . والأجداث : جمع جَدَث ، وهو القبر ؛ واجتدث الرجل ؛ اتخذ جَدَثا ، ويقال : « جَدَف » بالفاء . والرُّفات: الحُطام ؛ تقول منه رَفَتَ الشيء فهو مرفوت . ومدينون ، أي مجزيّون . والدَّيْن : الجزاء ؛ ومنه « مَالِكِ يَوْمِ الدِّين »۱ . ومميَّزون حسابا ، من قوله تعالى : « وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أيُّهَا المُجْرِمُونَ »۲ ، ومن قوله تعالى : « وَكُنْتُمْ أَزْوَاجا ثَلاَثَةً »۳ ؛ كما أنّ قوله : « ومبعوثون أفراداً » ، مأخوذ من

1.سورة الفاتحة ۴ .

2.سورة يس ۵۹ .

3.سورة الواقعة ۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95718
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي