249
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وعميم فضلك ، كأنه قال : في نعمه المجلِّلَة ؛ وكذلك القول في موجبات مِننه ، أي في مننه التي توجب الشُّكر . وفي هاهنا متعلقة بمحذوف ، والموضع نصب على الحال . ثم قال : « وحواجز عافيته » ، الحواجز : الموانع ، أي في عافية تحجز وتمنع عنكم المضارّ . ويروى « وحواجز بَلِيَّتِه » ، وقد فسر قوله : « حواجز عافيته » ؛ على أن يراد به ما يحجز العافية ويمنعها عن الزوال والعدم .
قوله عليه السلام : « من مستمتَع خَلاقهم » ، الخلاق : النصيب ، قال تعالى : « وَمَا لَهُ فِيالآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ »۱ ، وقال تعالى : « فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ »۲ ،وتقدير الكلام : خلّف لكم عِبَرا من القرون السالفة ، منها تمتّعهم بنصيبهم من الدنيا ثمّ فناؤهم ، ومنها فسحة خناقهم ۳ وطول إمهالهم ، ثم كانت عاقبتهم الهلكة .
وأرهقتهم المنايا : أدركتهم مسرعة . والمرهَق : الذي أدرك ليقتل . وشذّبهم عنها : قطعهم وفرقهم ؛ من تشذيب الشجرة ؛ وهو تقشيرها . وتخرّمت زيد المنية : استأصلته واقتطعته .
ثم قال : « لم يمهدوا في سلامة الأبدان » ، أي لم يمهدوا لأنفسهم ؛ من تمهيد الأُمور وهو تسويتها وإصلاحها . وأنُف الأوان : أوله ، يقال : روضةٌ أُنُف لم تُرْعَ قبل ، وكأس أُنُف : لم يُشْرَب بها قَبْلُ .

الأصْلُ :

۰.فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بِضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ ؟ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ ؟ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ ، وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ ، وَ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ ، وَغُصَصِ الْجَرَضِ وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ ، وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ ! فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ ؟ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ؟ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِينا ، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيدا ، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ ،

1.سورة البقرة ۲۰۰ .

2.سورة التوبة ۶۹ .

3.الخناق ، بالفتح : حبل يختنق به .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
248

بِأَرْفَاقِهَا ، وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا ، فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ ، وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ ، وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ .
وَقَدَّرَ لَكُم أَعْمَارا سَتَرَهَا عَنْكُمْ ، وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَرا مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهمْ ، وَمُسْتَفْسحِ خَنَاقِهِمْ . أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الآمَالِ ، وَشَذَّبَهمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الآجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ .

الشّرْحُ :

قوله : « لتعي ما عناها » ، أي لتحفظ وتفهم ما أهمّها ؛ ومنه الأثر المرفوع : « مِنْ حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » . ولتجلو ، أي لتكشف .
و « عن » هاهنا زائدة ؛ ويجوز أن تكون بمعنى « بَعْد » ، كما قال :
* لَقِحَتْ حَرْبُ وائِلٍ عَنْ حِيَال ۱ *
أي بعد حِيال ، فيكون قد حذف المفعول ، وحذفه جائز ؛ لأ نّه فضلة ، ويكون التقدير : لتجلوَ الأذى بعد عشاها ، والعشا ، مقصور : مصدر عَشِيَ ، بكسر الشين ، يَعْشَى ؛ فهو عَشٍ ، إذا أبصر نهارا ولم يبصر ليلاً . والأشلاء : جمع شِلْو ، وهو العضو .
فإن قلت : فأيّ معنى في قوله : أعضاء تجمع أعضاء تجمع أعضاءها ؟ وكيف يجمع الشيء نفسه ؟ قلت : أراد عليه السلام بالأشلاء هاهنا الأعضاء الظاهرة ، وبالأعضاء الجوارح الباطنة ؛ ولا ريب أنْ الأعضاء الظاهره تجمع الأعضاء الباطنة وتضمها . والملائِمة : الموافِقة . والأحناء : الجوانب والجهات . ثم قال : « في تركيب صورها » ، كأنّه قال : مركبة أو مصورة ، فأتى بلفظة « في » كما تقول : ركب بسلاحه وفي سِلاحه ، أي متسلّحا .
وقوله : « بأرْفاقها » ، أي بمنافعها جمع رِفْق ، بكسر الراء ، مثل حِمْل وأحمال ، وأرفقت فلانا ، أي نفعته . والمِرْفق من الأمر ، ما ارتفقت به وانتفعت ، ويروى : « بأرماقها » والرّمَق : بقية الروح . ورائدة : طالبة : ومجلِّلات النعم ، تجلّل الناسَ ، أي تعمّهم ؛ « صاحب مجلِّل » أي يطبّق الأرض ، وهذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، كقولك : أنا في سابغ ظلّك

1.هو عجز لبيت للحارث بن عباد ؛ وأوله : * قرِّبا مرْبِطَ النعامَة مِنِّي *

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95704
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي