253
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ » 1 .
يقال : مكان دَحْض ودَحَض ، بالتحريك ، أي زلَق ، وأدحضتُه أنا أزلقْتُه فدحَض هو . والأهاويل : الأُمور المفزعة . وتارات أهواله ، كقوله : دفَعات أهواله ؛ وإنما جعل أهواله تاراتٍ ؛ لأنّ الأُمور الهائلة إذا استمرّت لم تكن في الإزعاج والترويع ، كما تكون إذا طرأت تارة ، وسكنت تارة . وأنصب الخوف بدنه : أتعب ؛ والنّصَب : التعب . والتهجّد هنا : صلاة الليل ، وأصلُه : السهر ؛ وقد جاء التهجّد بمعنى النوم أيضا ؛ وهو من الأضداد . الغِرار : قلّة النوم ؛ وأصله قلّة لبن الناقة ؛ ويقال : غارت الناقة تغار غِرارا قل لَبَنُها .
فإن قلت : كيف توصف قِلّةُ النوم بالسهر ؛ وإنما يوصف بالسَّهَر الإنسان نفسه؟
قلت : هذا من مجازات كلامهم ؛ كقولهم ليل ساهر ، وليل نائم .
والهواجر : جمع هَاجِرة ؛ وهي نصف النهار عند اشتداد الحرّ ، يقال : قد هَجّر النهار ، وأتينا أهلنا مُهَجِّرِينَ ، أي سائرين في الهاجِرة . وظَلف : منع ، وظلِفت نفسُ فلن ، بالكسر عن كذا ؛ أي كفّتْ . وأوْجَف : أسرع ، كأنّه جعل الذِّكْر لشدّة تحريكه اللسان مُوجفاً به ، كما توجِف الناقة براكبها ، والوجِيف : ضرْب من السَّيْر .
ثم قال : « وقدم الخوف لأمانه » ، اللام هاهنا لام التعليل ، أي قدّم خوفه ليأمن . والمخالج : الأُمور المختلجة ، أي الجاذبة ، خَلَجه واختلجه ، أي جذَبه . وأقصد المسالك : أقومها . وطريق قاصد ، أي مستقيم . وفتله عن كذا ، أي ردّه وصرفه ، وهو قلب « لفت » . ويروى : « قد عَبَر مَعْبر العاجلة حمِيداً ، وقدم زاد الآجلة سعيداً » . وأكمش : أسرع ، ومثله انكمش ورجل كمِش أي سريع ، وكمَشته تكميشا : أعجلته .
قوله : « ورغب في طلب ، وذهب عن هرب » ، أي ورغب فيما يطلب مثله ، وفَرّ عما يهرب من مثله ، فأقام المصدر مقام ذي المصدر . ونظر قُدُما أمامه ، أي ونظر ما بين يديه مقدماً لم يَنْثَنِ ولم يعرِّج ، والدال مضمومة هاهنا . ومن رواه بالتسكين ، جاز أن يعني به هذا ويكون قد خفف ، كما قالوا : حُلْم وحُلُم . وجاز أن يجعله مصدراً ، من قَدمَ الرجل بالفتح ، يقدَم قَدْماً ، أي تقدم ، قال اللّه تعالى : « يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » 2 ، أي يتقدّمهم إلى ورودها ؛

1.سورة الحديد ۱۳ .

2.سورة هود ۹۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
252

الأصْلُ :

۰.وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ ؛ فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ ، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ ، وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ ؛ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ، ظَافِرا بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى ، وَرَاحَةِ النُّعْمَى ، فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ ، وَآمَنِ يَوْمِهِ .
قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيدا ، وَقَدَّمَ زَادَ الآجِلَةِ سَعِيدا ، وَبَادَرَ عَنْ وَجَلٍ ، وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ ، وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ ، وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ ، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ ، وَربَّمَا نَظَرَ قُدُما أَمَامَهُ .
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَابا وَنَوَالاً ، وَكَفَى بِالنَّار عِقَابا وَوَبَالاً ! وَكَفَى بِاللّهِ مُنْتَقِما وَنَصِيرا ! وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجا وَخَصِيما!

الشّرْحُ :

وقال أصحابنا رحمهم اللّه تعالى : الصراط الوارد ذكرُه في الكتاب العزيز ؛ هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة ، ولأهل النار إلى النار بعد المحاسبة ، قالوا : لأنّ أهلَ الجنة ممرّهم على باب النار ، فمن كان من أهل النار عُدِل به إليها ، وقذف فيها ، ومَنْ كان من أهل الجنّة مَرّ بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة ، وهو معنى قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا » 1 ؛ لأنّ ورودها هو القرب منها ، والدنوّ إليها ، وقد دلّ القرآن على سُور مضروب بين مكان النار وبين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله : « فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطنُهُ فِيهِ الرّحْمةُ وَظَاهِرُهُ

1.سورة مريم ۷۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95672
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي